بحر النيل نهر الجنة ومدفع مياه السماء، يسقيهم النهل والعلل سيحه ويجني إليهم الثمرات والخيرات ثجه، ومررت في سكك المدينة تغص بزحام المارة، وأسواقها تزخر بالنعم. وما زلنا نحدث عن هذا البلد، وبعد مداه في العمران، واتساع الأحوال، ولقد اختلفت عبارات من لقيناه من شيوخنا وأصحابنا، حاجهم وتاجرهم، بالحديث عنه. سألت صاحبنا قاضي الجماعة بفاس، وكبير العلماء بالمغرب، أبا عبد الله المقري، (مقدمه من الحج سنة أربعين)، فقلت له: كيف هذه القاهرة؟ فقال: من لم يرها لم يعرف عز الإسلام.
وسألت شيخنا أبا العباس بن إدريس كبير العلماء ببجاية مثل ذلك فقال: كأنما انطلق أهله من الحساب، يشير إلى كثرة أممه وأمنهم العواقب.
وحضر صاحبنا قاضي العسكر بفاس، الفقيه الكاتب أبو القاسم البرجي بمجلس السلطان أبي عنان، منصرفه من السفارة عنه إلى ملوك مصر، وتأدية رسالته النبوية إلى الضريح الكريم، سنة ست وخمسين وسأله عن القاهرة فقال:
أقول في العبارة عنها على سبيل الاختصار: إن الذي يتخيله الإنسان، فإنما يراه دون الصورة التي تخيلها، لاتساع الخيال عن كل محسوس، إلا القاهرة، فإنها أوسع