يهب منه نسيم حتى خلناه لعدمه عنقاء مغربا إلى أن تداركنا الله بلطفه وجميل صنعه فأجراه لنا الآن في شهر نيسان عرفنا الله السلامة بمنه وكرمه.
وصحتنا هذه الريح الشرقية نحو يومين سرنا فيهما سيرا حثيثا وتركنا جزيرة سردانية عن يميننا ثم تلاعبت بنا الرياح المختلفة فأقمنا بها نضرب البحر طولا وعرضا ولا يتراءى لنا بر حتى ساءت ظنوننا وتوهمنا إسقاط الرياح لنا إلى جهة بر برشلونه دمرها الله إلى أن أذن الله بالفرج فأبصرنا بر جزيرة يابسة ليلة السبت العاشر من الشهر المذكور ونحن لا نكاد نتبينه لبعد خيالا خفيا، فلما كان يوم السبت المذكور بان لنا فدخلنا مرسى الجزيرة المذكورة مع الليل بعد مكابدة اختلاف الرياح في دخوله فأرسنيا والمدينة منا على مقدار أربعة أميال وكان إرساؤنا بإزاء جزيرة فرمنتيرة وهي منقطعة عن جزيرة يابسة وبينهما مقدار أربعة أميال أو خمسة وفيها قرى كثيرة معمورة فأقمنا بمرساها ونحن بمقربة من الجبلين المنقطعين المتناظرين المعروفين بالشيخ والعجوز. وفي تلك الليلة مع المغيب أبصرنا جبال بر الأندلس وأقربها منا جبل دانية المعروف بقاعون فحدقت الأبصار لهذا البر سرورا بمرآه واستبشرت الأنفس بالدنو منه وأصبحنا يوم الأحد الحادي عشر من الشهر بالمرسى المذكور والريح غربية ونحن ننتظر تتميم الصنع الجميل من الله عز وجل بارسال الريح الموافقة نشرا بين يدي رحمته إن شاء الله.
وفي ضحوة يوم الثلاثاء الثالث عشر منه أقلعنا على اليمن والبركة بريح شرقية لينة المهب لها نفس خافت داعين الله عز وجل في إحياء ذمائها1 وتقوية إجرائها وجبال دانية أمامنا رأي العين والله يتمم فضله علينا ويكمل صنعه بعزته لنا وتمادت وانتشرت بفضل الله تعالى فنزلنا بقرطاجنة عشي يوم الخميس الخامس عشر منه شاكرين لله على ما من به من السلامة والعافية والحمد لله رب العالمين، وصلواته على محمد خاتم النبيين وإمام المرسلين.