المشيدة الأنيقة وشأنهم بالجملة كبير لا سيما هذا الرجل منهم وكانت له أيام مقامه هنا أفعال جميلة مع فقراء الحجاج وصعاليكهم أصلحت أحوالهم ويسرت لهم الكراء والزاد والله ينفعه بها ويجازيه الجزاء الأوفى عليها بمنه.
ومن أعظم ما منى به أهل هذه الجزيرة أن الرجل ربما غضب على ابنه أو على زوجه أو تغضب المرأة على ابنتها فنحلق المغضوب عليه أنفة تؤديه إلى التطارح في الكنيسة فيتنصر ويتعمد فلا يجد الأب للابن سبيلا ولا الأم للبنت سبيلا فتخيل حال من منى بمثل هذا في أهله وولده ويقطع عمره متوقعا لوقوع هذه الفتنة فيهم فهم الدهر كله في مدارات الأهل والولد خوف هذه الحال. وأهل النظر في العواقب منهم يخافون أن يتفق على جميعهم ما اتفق على أهل جزيرة أقريطش من المسلمين في المدة السلافة فإنه لم تزل بهم الملكة الطاغية من النصارى والاستدراج الشيء بعدالشيء حال بعد حال حتى اضطروا إلى التنصر عن آخرهم وفر منهم من قضى الله بنجاته وحقت كلمة العذاب على الكافرين1 والله غالب على أمره لا إله سواه.
ومن عظم هذا الرجل الحمودي المذكور في نفوس النصارى أبادهم الله انهم يزعمون إنه لو تنصر لما بقى في الجزيرة مسلم إلا وفعل فعله ابتاعا له واقتداء به تكفل الله بعصمته جميعهم ونجاهم مما هم فيه بفضله وكرمه.
ومن أعجب ما شاهدناه من أحوالهم التي تقطع النفوس إشفاقا وتذيب القلوب رأفة وحنانا أن أحد أعيان هذه البلدة وجه ابنه إلى أحد اصحابنا الحجاج راغبا في أن يقبل منه بنتا بكرا صغيرة السن قد زاهقت2 الإدراك فإن رضيها تزوجها وإن لم يرضها زوجها ممن رضى لها من أهل بلده ويخرجها مع نفسه راضية بفراق أبيه وإخوتها طمعا في التخلص من هذه الفتنة ورغبة في الحصول في بلاد المسلمين فطاب الأب والإخوة نفسا لذلك لعلهم يجدون السبيل للتخص إلى