استهل هلاله ليلة الإثنين الرابع من شهر فبراير ونحن بمدينة أطرابنش المتقدم ذكرها منتظرين انسلاخ فصل الشتاء واقلاع المركب الجنوي الذي أملنا ركبوه إلى الأندلس إن شاء الله عز وجل والله سبحانه بيمن مقصدنا وييسر مرامنا بمنه وكرمه.
وفي مدة مقامنا بهذه البلدة تعرفنا ما يؤلم النفوس تعرفه من سوء حال أهل هذه الجزيرة مع عبادالصليب بها دمرهم الله وماهم عليه معهم من الذل والمسكنة والمقام تحت عهدة الذمة وغلظة الملك إلى طوارىء دواعي الفتنة في الدين على من كتب الله عليه الشقاء من أبنائهم ونسائهم. وربما تسبب إلى بعض أشايخهم أسباب نكالية تدعوه إلى فراق دينه فمنها قصة اتفقت في هذه السنين القريبة لبعض فقهاء مدينتهم التي هي حضرة ملكهم الطاغية ويعرف بابن زرعة ضغطته العمال بالمطالبة حتى أظهر فراق دين الإسلام والانغماس في دين النصرانية ومهر في حفظ الانجيل ومطالعة سير الروم وحفظ قوانين شريعتهم فعاد في جملة القسيسين الذين يستفتون في الاحكام النصرانية وربما طرا حكم إسلامي فيستفتى أيضا فيه لما سبق من معرفته بالاحكام الشرعية ويقع الوقوف عند فتياه في كلا الحكمين، وكان له مسجد بإزاء داره اعاده كنيسة نعوذ بالله من عواقب الشقاوة وخواتم الضلالة ومع ذلك فأعلمنا أنه يكتم إيمانه فلعله داخل تحت الاسثناء في قوله: {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْأِيمَانِ1} .