هوادج من يشار إليه من عقائل نساء مكة.
فلما قضينا العمرة وطفنا وجئنا للسعي بين الصفا والمروة وقد مضى هدء من الليل أبصرناه كله سرجا ونيرانا وقد غص بالساعين والساعيات على هوادجهن فكنا لانتخلص إلا بين هوادجهن وبين قوائم الإبل لكثرة الزحام واصطكاك الهوادج بعضها على بعض. فعاينا ليلة هي أغرب ليلالي الدنيا فمن لم يعاين ذلك لم يعاين عجبا يحدث به ولا عجبا يذكه مرأى الحشر يوم القيامية لكثرة الخلائق فيه محرمين ملبين داعين إلى الله عز وجل ضارعين والجبال المكرمة التي بحافتي الطريق تجيبهم بصداها حتى سكت المسامع وسكبت ن هول تلك المعاينة المدامع وذابت القلوب الخواشع.
وفي تلك الليلة مليء المسجد الحرام كله سرجا فتلألأ نورا وعند ثبوت رؤية الهلال عند الأمير أمر بضرب الطبول والدبادب1 والبوقات أشعارا بأنها ليلة الموسم.
فلما كانت صبيحة ليلة الخميس خرج إلى العمرة في احتفال لم يسمع بمثله انحشد له أهل مكة عن بكرة أبيهم فخرجوا على مراتبهم قبيلة قبيلة وحارة حارة شاكين في الاسلحة فرسانا ورجاله فاجتمع منهم عدد لا يحصى كثرة يتعجب المعاين لهم لوفور عددهم فلو انهم من بلاد جمة لكانوا عجبا فكيف وهم من بلد واحد وهذا أدل الدلائل على بكرة البلد. فكانوا يخرجون على ترتيب عجيب فالفرسان منهم يخرجون بخيلهم ويلعبون بالأسلحة عليها والرجالة يتواثبون ويتثاقفون2 بالأسلحة في أيديهم حرابا وسيوفا وجحفا3 وهم يظهرون التطاعن بعضهم لبعض والتضارب بالسيوف والمدافعة بالجحف التي يستجنون بها4 وأظهروا من الحذق الثقات كل أمر مستغرب.