وجهات مصر كلها واليمن، ذي المآثر الشهيرة والمناقب الشريفة، فإذا انتهى الى ذكره بالدعاء ارتفعت أصوات الطائفين بالتأمين بألسنة تمدها القلوب الخالصة والنيات الصادقة. وتخفق الألسنة بذلك خفقا يذيب القلوب خشوعا لما وهب الله لهذا السلطان العادل من الثناء الجميل وألقى عليه من محبة الناس وعباد الله شهدائه في أرضه. ثم يصل ذلك بدعاء لأمراء اليمن من جهة صلاح الدين ثم لسائر المسلمين والحجاج والمسافرين، وينزل. هكذا دأبه دائما أبدا.
وفي القبة العباسية المذكورة خزانة تحتوي على تابوت مبسوط متسع وفيه مصحف أحد الخلفاء الأربعة أصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وبخط يد زيد بن ثابت، رضي الله عنه، منتسخ سنة ثماني عشرة من وفاة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وينقص منه ورقات كثيرة. وهو بين دفتي عود مجلد بمغاليق من صفر، كبير الورقات واسعها، عايناه وتبركنا بتقبيله ومسح الخدود فيه.
نفع الله بالنية في ذلك.
وأعلمنا صاحب القبة المتولي لعرضه علينا: أن أهل مكة متى أصابهم قحط أو نالتهم شدة في أسفارهم أخرجوا المصحف المذكور وفتحوا باب البيت الكريم ووضعوه في القبة المباركة مع المقام الكريم: مقام الخليل ابراهيم، صلى الله على نبينا وعليه، واجتمع الناس كاشفين رؤوسهم داعين متضرعين، وبالمصحف الكريم والمقام العظيم الى الله متوسلين. فلا ينفصلون عن مقامهم ذلك الا ورحمة الله عزّ وجلّ قد تداركتهم، والله لطيف بعباده، لا اله سواه.
وبإزاء الحرم الشريف ديار كثيرة لها أبواب يخرج منها اليه. وناهيك بهذا الجوار الكريم! كدار زبيدة ودار القاضي ودار تعرف بالعجلة وسواها من الديار، وحول الحرم أيضا ديار كثيرة تطيف به لها مناظر وسطوح يخرج منها الى سطح الحرم فيبيت اهلها فيه ويبردون ماءهم في اعالي شرفاته، فهم من النظر الى البيت العتيق دائما في عبادة متصلة، والله يهنئهم ما خصهم به من مجاورة بيته الحرام بمنه وكرمه.