كأنهما محارتا فضة، ثم يشقون عليها فيجدون فيها الحبة من الجوهر قد غطى عليها لحم الصدف. فيجتمع لهم من ذلك بحسب الحظوظ والأرزاق. فسبحان مقدرها لا اله سواه. لكنهم ببلدة لا رطب فيها ولا يابس قد الفوا بها عيش البهائم؛ فسبحان محبب الأوطان الى أهلها، على أنهم أقرب الى الوحش منهم الى الأنس.
والركوب من جدة اليها آفة للحجاج عظيمة الا الأقل منهم ممن يسلمه الله عز وجل، وذلك ان الرياح تلقيهم على الأكثر في مراس بصحارى تبعد منها مما يلي الجنوب، فينزل اليهم البجاة، وهم نوع من السودان ساكنون بالجبال، فيكرون منهم الجمال ويسلكون بهم غير طريق الماء. فربما ذهب اكثرهم عطشا وحصلوا على ما يخلفهم من نفقة او سواها. وربما كان من الحجاج من يتعسف تلك المجهلة على قدميه فيضل ويهلك عطشا. والذي يسلم منهم يصل الى عيذاب كأنه منشر من كفن، شاهدنا منهم مدة مقامنا أقواما قد وصلوا على هذه الصفة في مناظرهم المستحيلة وهيئاتهم المتغيرة، آية للمتوسمين.
وأكثر هلاك الحجاج بهذه المراسي. ومنهم من تساعده الريح الى أن يحط بمرسى عيذاب، وهو الأقل.
والجلاب التي يصرّفونها في هذا البحر الفرعوني ملفقة الإنشاء لا يستعمل فيها مسمار البتة انما هي مخيطة بأمراس من القنبار، وهو قشر جوز النارجيل يدرسونه الى ان يتخيط ويفتلون منه أمراسا يخيطون بها المراكب ويخللونها بدسر من عيدان النخل، فاذا فرغوا من انشاء الجلبة على هذه الصفة سقوها بالسمن او بدهن الخروع أو بدهن القرش، وهو أحسنها، وهذا القرش حوت عظيم في البحر يبتلع الغرقى فيه. ومقصدهم في دهان الجلبة ليلين عودها ويرطب لكثرة الشعاب المعترضة في هذا البحر.
ولذلك لا يصرفون فيه المركب المسماري.
وعود هذا الجلاب مجلوب من الهند واليمن، وكذلك القنبار المذكور.