بالمدينة، والنصارى يعرفونها ببلارمة، وفيها سكنى الحضريين من المسلمين، ولهم فيها المساجد، والأسواق المختصة بهم في الأرباض كثير. وسائر المسلمين بضياعها وجميع قراها، وسائر مدنها كسر قوسة وغيرها. لكن المدينة الكبيرة التي هي مسكن ملكها غليام أكبرها وأحفلها وبعدها مسينة. وبالمدينة ان شاء الله يكون مقامنا، ومنها نؤمل سفرنا الى حيث يقضي الله عز وجل من بلاد المغرب ان شاء الله.
وشأن ملكهم هذا عجيب في حسن السيرة واستعمال المسلمين واتخاذ الفتيان المجابيب، وكلهم أو أكثرهم كاتم ايمانه متمسك بشريعة الإسلام، وهو كثير الثقة بالمسلمين وساكن اليهم في احواله والمهم من أشغاله، حتى ان الناظر في مطبخته رجل من المسلمين، وله جملة من العبيد السود المسلمين، وعليهم قائد منهم. ووزراؤه وحجابه الفتيان، وله منهم جملة كبيرة، هم أهل دولته والمرتسمون بخاصته، وعليهم يلوح رونق مملكته، لأنهم متسعون في الملابس الفاخرة والمراكب الفارهة، وما منهم إلا من له الحاشية والخول والأتباع.
ولهذا الملك القصور المشيدة والبساتين الأنيقة، ولا سيما بحضرة ملكة المدينة المذكورة. وله بمسينة قصر أبيض كالحمامة مطل على ساحل البحر. وهو كثير الاتخاذ للفتيان والجواري. وليس في ملوك النصارى أترف في الملك ولا أنعم ولا أرفه منه، وهو يتشبه في الانغماس في نعيم الملك وترتيب قوانينه ووضع أساليبه وتقسيم مراتب رجاله وتفخيم أبهة الملك واظهار زينته بملوك المسلمين، وملكه عظيم جدا. وله الأطباء والمنجمون، وهو كثير الاعتناء بهم، شديد الحرص عليهم، حتى انه متى ذكر له أن طبيبا أو منجما أجتاز ببلده أمر بإمساكه وأدر له أرزاق معيشته حتى يسليه عن وطنه، والله يعيذ المسلمين من الفتنة به بمنه. وسنه نحو الثلاثين سنة، كفى الله المسلمين عاديته وبسطته. ومن عجيب شأنه المتحدث به أنه يقرأ ويكتب بالعربية، وعلامته، على ما أعلمنا به أحد خدمته المختصين به: الحمد لله حق حمده. وكانت علامة أبيه: الحمد لله