الاهل والاولاد وتقرع سن الندم على زمن التضييع، والله يوفق ويرشد، لا اله سواه، قد نصحت ان ألفيت سامعا، وناديت ان اسمعت مجيبا، «ومن يهد الله فهو المهتد» ، جلت قدرته، وتعالى جده. ولو لم يكن بهذه الجهات المشرقية كلها الا مبادرة أهلها لإكرام الغرباء وايثار الفقراء، ولا سيما أهل باديتها، فانك تجد من بدار الى بر الضيف عجبا، كفى بذلك شرفا لها. وربما يعرض أحدهم كسرته على فقير فيتوقف عن قبولها، فيبكي الرجل ويقول: لو علم الله فيّ خيرا لأكل الفقير طعامي، لهم في ذلك سرّ شريف.

من عجيب أمر المشارقة

ومن عظيم أمرهم تعظيمهم للحاج، على قرب مسافة الحجّ منهم، وتيسير ذلك لهم، واستطاعتهم لسبيله. فهم يتمسحون بهم عند صدورهم، ويتهافتون عليهم تبركا بهم. ومن أغرب ما حدثنا من ذلك: أن الحاج الدمشقي مع من انضاف اليهم من المغاربة عند صدورهم الى دمشق في هذا العام، الذي هو عام ثمانين، خرج الناس لتلقيهم: الجمّ الغفير نساء ورجالا، يصافحونهم ويتمسحون بهم، وأخرجوا الدراهم لفقرائهم يتلقونهم بها، وأخرجوا اليهم الأطعمة.

فأخبرني من أبصر كثيرا من النساء يتلقين الحاج ويناولنهم الخبز، فإذا عض الحاج فيه اختطفنه من أيديهم وتبادرن لأكله تبركا بأكل الحاج له ودفعن له عوضا منه دراهم، الى غير ذلك من الأمور العجيبة ضد ما اعتدنا في المغرب في ذلك، وصنع بنا في بغداد عند تلقي الحاج بها مثل ذلك أو قريب منه. ولو شئنا استقصاء هذه الأمور لخرجت بنا عن مقصد التقييد، وانما وقع الإلماع بلمحة دالة يكتفى بها عن التطويل. وكل من وفقه الله بهذه الجهات من الغرباء للانفراد يلتزم ان أحب ضيعة من الضياع فيكون فيها طيب العيش، ناعم البال، وينثال الخبز عليه من أهل الضيعة، ويلتزم الإمامة أو التعليم أو ما شاء. ومتى سئم المقام خرج الى ضيعة أخرى أو يصعد ألى جبل لبنان أو الى جبل الجودي فيلقى بها

طور بواسطة نورين ميديا © 2015