شطه الثاني المتصل بالمدينة السفلى جامع صغير قد فتح جداره الشرقي عليه طيقانا تجتلي منها منظرا ترتاح النفس اليه، وتتقيد الأبصار لديه. وبإزاء ممر النهر بجوفي المدينة قلعة حلبية الوضع، وإن كانت دونها في الحصانة والمنع، سرّب لها من هذا النهر ماء ينبع فيها، فهي لا تخاف الصدى، ولا تتهيب مرام العدى.

وموضع هذه المدينة في وهدة من الأرض عريضة مستطيلة، كأنها خندق عميق، يرتفع لها جانبان: أحدهما كالجبل المطل، والمدينة العليا متصلة بصفح ذلك الجانب الجبلي، والقلعة في الجانب الآخر في ربوة منقطعة كبيرة مستديرة قد تولى نحتها الزمان، وحصل لها بحصانتها من كل عدوّ الأمان، والمدينين السفلى تحت القلعة متصلة بالجانب الذي يصب النهر عليه، وكلتا المدينتين صغيرتان.

وسور المدينة العليا يمتد على رأس جانبها العلي الجبلي ويطيف بها.

وللمدينة السفلى سور يحدق بها من ثلاثة جوانب، لأن جانبها المتصل بالنهر لا يحتاج الى سور. وعلى النهر جسر كبير معقود بصم الحجارة يتصل من المدينة السفلى الى ربضها. وربضها كبير فيه الخانات والديار، وله حوانيت يستعجل فيها المسافر حاجاته الى أن يفرغ لدخول المدينة، وأسواق المدينة العليا أحفل وأجمل من أسواق المدينة السفلى، وهي الجامعة لجميع الصناعات والتجارات، وموضوعها حسن التنظيم، بديع الترتيب والتقسيم، ولها جامع أكبر من الجامع الأسفل، ولها ثلاث مدارس ومارستان على شط النهر بإزاء الجامع الصغير.

وبخارج هذه البلدة بسيط فسيح عريض قد انتظم أكثره شجيرات الأعناب وفيه المزارع والمحارث، وفي منظره انشراح للنفس وانفساح. والبساتين متصلة على شطي النهر، وهو يسمى العاصي، لأن ظاهر انحداره من سفل الى علو، ومجراه من الجنوب الى الشمال، وهو يجتاز على قبلي حمص وبمقربة منها.

فكان مقامنا بحماة الى عشي يوم السبت المذكور، ثم رحلنا منها وأسرينا الليل كله وأجتزنا في نصفه هذا النهر العاصي المذكور على جسر كبير معقود من

طور بواسطة نورين ميديا © 2015