المضرين بمدينة بغداد، وفي تلك العشية التي رحلنا فيها فجأتنا خاتون المسعودية المترفة شبابا وملكا، وهي قد استقلت في هودج موضوع على خشبتين معترضتين بين مطيتين الواحدة امام الأخرى وعليهما الجلال المذهبة، وهما تسيران بها سير النسيم سرعة ولينا، وقد فتح لها أمام الهودج وخلفه بابان، وهي ظاهرة في وسطه متنقبة، وعصابة ذهب على رأسها، وأمامها رعيل من فتيانها وجندها، وعن يمينها جنائب المطايا والهماليج العتاق، ووراءها ركب من جواريها قد ركبن المطايا والهماليج على السروج المذهبة وعصبن رؤوسهن بالعصائب الذهبيات والنسيم يتلاعب بعذباتهن، وهن يسرن خلف سيدتهن سير السحاب. ولها الرايات والطبول والبوقات تضرب عند ركوبها وعند نزولها.
وأبصرنا من نخوة الملك النّسائيّ واحتفاله رتبة تهز الأرض هزا، وتسحب أذيال الدنيا عزا. ويحق أن يخدمها العز، ويكون لها هذا الهز، فان مسافة مملكة أبيها نحو الأربعة أشهر، وصاحب القسطنطينية يؤدي اليه الجزية، وهو من العدل في رعيته على سيرة عجيبة، ومن موالاة الجهاد على سنة مرضية.
وأعلمنا أحد الحجاج من أهل بلدنا أن في هذا العام الذي هو عام تسعة وسبعين الخالي عنا استفتح من بلاد الروم نحو الخمسة وعشرين بلدا، ولقبه عز الدين، واسم أبيه مسعود، وهذا الاسم غلب عليه، وهو عريق في المملكة عن جد فجد. ومن شرف خاتون هذه واسمها سلجوقة، أن صلاح الدين استفتح آمد بلد زوجها نور الدين، وهي من أعظم بلاد الدنيا، فترك البلد لها كرامة لأبيها وأعطاها المفاتيح، فبقي ملك زوجها بسببها. وناهيك من هذا الشأن! والملك ملك الحي القيوم، يؤتي الملك من يشاء لا إله سواه.
فكان مبيتنا تلك الليلة بإحدى قرى بغداد، نزلناها وقد مضى هدء من الليل، وبمقربة منها دجيل، وهو نهر يتفرع من دجلة يسقي تلك القرى كلها.
وغدونا من ذلك الموضع، ضحى يوم الثلاثاء السادس عشر لصفر المذكور، والقرى متصلة في طريقنا، فاتصل سيرنا الى إثر صلاة الظهر، ونزلنا وأقمنا باقي