كسرى حسبما ذكرناه وانتهينا الى صرصر وهي أخت زريران المذكورة حسنا أو قريب منها. ويمر بجانبها القبلي نهر كبير متفرع من الفرات عليه جسر معقود على مراكب تحف بها من الشط الى الشط سلاسل حديد عظام، على الصفة التي ذكرناها في جسر الحلة، فعبرناه وأجزنا القرية ونزلنا قائلين، وبيننا وبين بغداد نحو ثلاثة فراسخ.
وبهذه القرية سوق حفيلة ومسجد جامع كبير جديد. وهي من القرى التي تملأ النفوس بهجة وحسنا. وهذان النهران الشريفان دجلة والفرات قد أغنت شهرتهما عن وصفهما، وملتقاهما ما بين واسط والبصرة، ومنها انصبابهما الى البحر، ومجراهما من الشمال الى الجنوب، وحسبهما ما خصهما الله به من البركة هما وأخاهما النيل، مما هو مذكور مشهور، ورحلنا من ذلك الموضع قبيل الظهر من يوم الأربعاء المذكور وجئنا بغداد قبيل العصر، والمدخل اليها على بساتين وبسائط يقصر الوصف عنها.
هذه المدينة العتيقة، وان لم تزل حضرة الخلافة العباسية، ومثابة الدعوة الإمامية القرشية الهاشمية، قد ذهب أكثر رسمها، ولم يبق منها الا شهير اسمها.
وهي بالإضافة الى ما كانت عليه قبل إنحاء الحوادث عليها والتفات أعين النوائب اليها كالطلل الدارس، والأثر الطامس، أو تمثال الخيال الشاخص، فلا حسن فيها يستوقف البصر ويستدعي من المستوفز العقلة والنظر الا دجلتها التي هي بين شرقيها وغربيها منها كالمرآة المجلوة بين صفحتين أو العقد المنتظم بين لبتين، فهي تردها ولا تظمأ، وتتطلع منها في مرآة صقيلة لا تصدأ، والحسن الحريميّ بين هوائها ومائها ينشأ، هو من ذلك على شهرة في البلاد معروفة موصوفة، ففتن الهوى، الا ان يعصم الله منها، مخوفة.