لو لم تكن حديدا لاكلوها اكلا فضلا عن غير ذلك، لما هم عليه من صحة النفوس شوقا الى هذه المشاهد المقدسة وتطارحهم بأجرامهم عليها، والله ينفعهم بنياتهم، بمنه وكرمه.
وفي يوم الثلاثاء الثامن والعشرين من الشهر المذكور جاء زعيم الشيبيين المعزول يتهادى بين بنيه زهوا واعجابا ومفتاح الكعبة المقدسة بيده قد أعيد اليه، ففتح الباب الكريم وصعد مع بنيه السطح المبارك الأعلى بأمراس من القنب غليظة يوثقونها في أوتاد الحديد المضروبة في السطح ويرسلونها الى الأرض فيربط فيها شبيه محمل من العود ويجلس فيه أحد سدنة البيت من الشيبيين، فيصعد به على بكرة معدة لذلك في أعلى السطح المذكور، فيتولى خياطة ما مزقته الريح من الأستار، فسألنا عن كيفية صرف هذا الشيبي المعزول الى خطته على صحة الهنات المنسوبة اليه، فأعلمنا أنه صودر عليها بخمس مئة دينار مكية استقرضها ودفعها. فطال التعجب من ذلك والاعتبار، وتحققنا أن إظهار القبض عليه لم يكن غيرة ولا أنفة على حرمات الله المنتهكة على يديه، مع كونها في خطة دونها الخلافة رفعة، والحال تشبه بعضها بعضا، «وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ»
، والى الله المشتكى من فساد ظهر حتى في اشرف بقاع الارض، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.
وفي يوم الأربعاء التاسع والعشرين من ذي القعدة المذكور دخلنا دار الخيزران التي كان منها منشأ الاسلام، وهي بإزاء الصفا ويلاصقها بيت صغير عن يمين الداخل اليها كان مسكن بلال، رضي الله عنه، ويدخل اليها على حلق كبير شبيه الفندق قد أحدقت به البيوت للكراء من الحاج. والدار المكرمة دار صغيرة يجدها الداخل الى الحلق المذكور عن يساره، وهي مجددة البناء، أنفق