وشاهدنا من شأن مبناه عجبا لا يستوفيه وصف واصف.
ومن مناقب هذا البلد ومفاخره العائدة في الحقيقة الى سلطانه: المدارس والمحارس «1» الموضوعة فيه لأهل الطب والتعبد، يفدون من الاقطار النائية فيلقى كل واحد منهم مسكنا يأوي اليه ومدرّسا يعلمه الفن الذي يريد تعلمه واجراء يقوم به في جميع احواله. واتسع اعتناء السلطان بهؤلاء الغرباء الطارئين حتى أمر بتعيين حمّامات يستحمون فيها متى احتاجوا الى ذلك، ونصب لهم مارستانا لعلاج من مرض منهم، ووكل بهم اطباء يتفقدون احوالهم، وتحت أيديهم خدام يأمرونهم بالنظر في مصالحهم التي يشيرون بها من علاج وغذاء. وقد رتب ايضا فيه اقوام برسم الزيارة للمرضى الذين يتنزهون عن الوصول للمارستان المذكور من الغرباء خاصة، وينهون الى الاطباء أحوالهم ليتكفلوا بمعالجتهم.
ومن اشرف هذه المقاصد أيضا ان السلطان عين لأبناء السبيل من المغاربة خبزتين لكل انسان في كل يوم بالغا ما بلغوا، ونصب لتفريق ذلك كل يوم انسانا امينا من قبله. فقد ينتهي في اليوم الى ألفي خبزة او ازيد بحسب القلة والكثرة، وهكذا دائما، ولهذا كله اوقاف من قبله حاشا ما عيّنه من زكاة العين لذلك. وأكد على المتولين لذلك متى نقصهم من الوظائف المرسومة شيء أن يرجعوا الى صلب ماله. وأما أهل بلده ففي نهاية من الترفيه واتساع الأحوال لا يلزمهم وظيف البتة. ولا فائد للسلطان بهذا البلد سوى الأوقاف المحبسة المعينة من قبله لهذه الوجوه وجزية اليهود والنصارى وما يطرأ من زكاة العين خاصة، وليس له منها سوى ثلاثة اثمانها والخمسة الأثمان مضافة للوجوه المذكورة.