وهو علامة الانصراف، فأخذناه وقمنا، وقام النائب لقيامنا وخرجنا عن المشور، فركبنا وركب النائب معنا. وأتوا بنا إلى بستان عليه حائط خشب وفي وسطه دار بناؤها بالخشب مفروشة بقطائف قطن يسمونها المخملات "بالميم والخاء المعجم"، منها مصبوغ وغير مصبوغ.
وفي البيت أسرة من الخيزران فوقها مضربات من الحرير ولحف خفاف ومخاد يسمونها البوالشت. فجلسنا بالدار ومعنا النائب ثم جاء الأمير دولسة بجاريتين وخادمين، وقال لي: يقول لك السلطان هذه على قدرنا لا على قدر السلطان محمد. ثم خرج النائب وبقي الأمير دولسة عندي. وكانت بيني وبينه معرفة لأنه كان ورد رسولاً على السلطان بدهلي. فقلت له: متى تكون رؤية السلطان؟ فقال لي؛ أن العادة عندنا أن لا يسلم القادم على السلطان إلا بعد ثلاث، ليذهب عنه تعب السفر ويثوب إليه ذهنه. فأقمنا ثلاثة أيام يأتي إلينا الطعام ثلاث مرات في اليوم وتأتينا الفواكه والطرف مساءً وصباحاً. فلما كان اليوم الرابع وهو يوم الجمعة أتاني الأمير دولسة فقال لي: يكون سلامك على السلطان بمقصورة الجامع بعد الصلاة. فأتيت الجامع وصليت به الجمعة مع حاجبه قَيْران "بفتح القاف وسكون الياء آخر الحروف والراء" ثم دخلت إلى السلطان فوجدت القاضي أمير سيد والطلبة عن يمينه وشماله. فصافحني وسلمت عليه وأجلسني عن يساره، وسألني عن السلطان محمد وعن أسفاري فأجبته. وعاد إلى المذاكرة في الفقه على مذهب الإمام الشافعي ولم يزل كذلك إلى صلاة العصر، فلما صلاها دخل بيتاً هنالك فنزع الثياب التي كانت عليه وهي ثياب الفقهاء، وبها يأتي الجامع يوم الجمعة ماشياً، ثم لبس ثياب الملك وهي الأقبية من الحرير والقطن.
ولما خرج من الجامع وجد الفيلة والخيل على بابه. والعادة عندهم أنه إذا ركب السلطان الفيل ركب من معه الخيل. وإذا ركب الفرس ركبوا الفيلة. ويكون أهل العلم عن يمينه فركب ذلك اليوم على الفيل. وركبنا الخيل وسرنا معه إلى المشور فنزلنا حيث العادة ودخل السلطان راكباً وقد اصطف في المشور الوزراء والأمراء والكتاب وأرباب الدولة ووجوه العسكر صفوفاً، فأول الصفوف صف الوزراء والكتاب ووزراؤه أربعة فسلموا عليه وانصرفوا إلى موضع وقوفهم، ثم صف الأمراء فسلموا ومضوا إلى مواقفهم. وكذلك تفعل كل