أخذ أحدهم الكتاب من يده ومر بأقصى جهده وهو يحرك المقرعة حتى يصل إلى الداوة الأخرى ولا يزالون كذلك حتى يصل الكتاب إلى حيث يراد منه.

وهذا البريد أسرع من بريد الخيل وربما حملوا على هذا البريد الفواكه المستطرفة بالهند من فواكه خراسان يجعلونها في الأطباق ويشتدون بها حتى تصل إلى السلطان وكذلك يحملون الكبار من ذوي الجنايات يجعلون الرجل على سرير ويرفعونه فوق رؤوسهم ويسيرون به شدّاً وكذلك يحملون الماء لشرب السلطان إذا كان بدولة أباد يحملونه من نهر الكنك الذي تحج الهنود إليه وهو على مسيرة أربعين يوماً منها.

وإذا كتب المخبرون إلى السلطان بخبر من يصل إلى بلاده استوعبوا الكتاب وأمعنوا في ذلك وعرفوه أنه ورد رجل صورته كذا ولباسه كذا وكتبوا عدد أصحابه وغلمانه وخدامه ودوابه وترتيب حاله في حركته وسكونه وجميع تصرفاته لا يغادرون من ذلك كلّه شيئاً فإذا وصل الوارد مدينة ملتان، وهي قاعدة بلاد السند أقام بها حتى ينفذ أمر السلطان بقدومه وما يجري له من الضيافة وإنما يكرم الإنسان هنالك بقدر ما يظهر من أفعاله وتصرفاته وهمته إذ لا يعرف هنالك ما حسبه ولا آباؤه.

ومن عادة ملك الهند السلطان أبي المجاهد محمد شاه إكرام الغرباء ومحبتهم وتخصيصهم بالولايات والمراتب الرفيعة ومعظم خواصه وحجابه ووزارئه وقضاته وأصهاره غرباء ونفذ أمره بأن يسمي الغرباء في بلده بالأعزة فصار لهم ذلك اسماً وعلماً ولا بد لكل قادم على هذا الملك من هدية يهديها إليه ويقدمها وسيلة بين يديه فيكافئه السلطان عليها بأضعاف مضاعفة وسيمر من ذكر هدايا الغرباء إليه كثير. ولما تعود الناس ذلك منه صار التجار الذين ببلاد السند والهند يعطون لكل قادم على السلطان الآلاف من الدنانير ديناً ويجهزونه بما يريد أن يهديه إليه أو يتصرف فيه لنفسه من الدواب للركوب والجمال والأمتعة ويخدمونهم بأموالهم وأنفسهم ويقفون بين يديه كالحشم فإذا وصل إلى السلطان أعطاه العطاء الجزيل فقضى ديونهم ووفاهم حقوقهم فنفقت تجارتهم وكثرت أرباحهم وصار لهم ذلك عادة مستمرة. ولما وصلت إلى بلاد السند، سلكتُ ذلك المنهج، واشتريت من التجار الخيل والجمال

طور بواسطة نورين ميديا © 2015