ثم وصلنا إلى مدينة قابس ونزلنا بداخلها وأقمنا بها عشر لتوالي نزول الأمطار، قال ابن جزي في ذكر قابس: يقول بعضهم:

لهفي على طيب ليال خلت ... بجانب البطحاء من قابس

كأن قلبي عند تذكارها ... جذوة نار بيد القابس

ثم خرجنا من مدينة قابس قاصدين طرابلس وصحبنا في بعض المراحل إليها نحو مائة فارس أو يزيد وكان بالركب قوم رماة فهابتهم العرب وتحامت مكانهم وعصمنا الله منهم وأظلنا عيد الأضحى في بعض تلك المراحل وفي الرابع بعده وصلنا إلى مدينة طرابلس فأقمنا بها مدة وكنت عقدت بصفاقس على بنت لبعض أمناء تونس فبنيت بها بطرابلس ثم خرجت من طرابلس أواخر شهر المحرم من عام ستة وعشرين ومعي أهلي وفي صحبتي جماعة من المصامدة وقد رفعت العلم وتقدمت عليهم وأقام الركب في طرابلس خوفا من البرد والمطر وتجاوزنا مسلاة ومسراته وقصور سرت وهنالك أرادت طوائف العرب الإيقاع بنا ثم صرفتهم القدرة وحالت دون ما راموه من إذايتنا ثم توسطنا الغابة وتجاوزناها إلى قصر برصيصا العابر إلى قبة سلام وأدركنا هنالك الذين تخلفوا بطرابلس ووقع بينى وبين صهري مشاجرة أوجبت فراق بنته وتزوجت بنتا لبعض طلبة فارس وبنيت بها بقصر الزعافية وأولمت وليمة حبست لها الركب يوما وأطعمتهم، ثم وصلنا في أول جمادى الأولى إلى مدينة الاسكندرية حرسها الله وهي الثغر المحروس والقطر المأنوس العجيبة الشأن الأصيلة البنيان بها ما شئت من تحسين وتحصين ومآثر دنيا ودين كرمت مغانيها ولطفت معانيها وجمعت بين الضخامة والإحكام مبانيها فهي الفريدة في تجلي سناها والغريدة تجلى في جلاها الزاهية بجمالها المغرب والجامعة لمفترق المحاسن لتوسطها بين المشرق والمغرب فكل بديعة بها اختلاؤها وكل طريفة فإليها انتهاؤها وقد وصفها الناس فأطنبوا وصنفوا في عجائبها فأغربوا وحسب المشوق1 إلى ذلك ما سطره أبو عبيد في كتاب المسالك.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015