فسرنا من السّرا عشرة أيام، فوصلنا إلى مدينة سراجوق، وجوق بضم الجيم المعقود وواو وقاف، ومعنى جوق صغير، فكأنهم قالوا: سرا الصغيرة، وهي على شاطىء نهر كبير زخّار يقال له ألوصو بضم الهمزة واللام وواو ومد وضم الصاد المهمل وواو، ومعناه الماء الكبير «1» وعليه جسر من قوارب كجسر بغداد، وإلى هذه المدينة انتهى سفرنا بالخيل التي تجر العربات وبعناها بها بحساب أربعة دنانير دراهم للفرس وأقل من ذلك لأجل ضعفها ورخصها بهذه المدينة واكترينا الجمال لجر العربات.
وبهذه المدينة زاوية لرجل صالح معمّر من الترك، يقال له أطا بفتح الهمزة والطاء المهمل، ومعناها الوالد، أضافنا بها ودعالنا، وأضافنا أيضا قاضيها ولا أعرف اسمه، ثم سرنا منها ثلاثين يوما سيرا جادّا لا ننزل إلا ساعتين إحداهما عند الضحى والأخرى عند المغرب، وتكون الإقامة قدر ما يطبخون الدّوقي ويشربونه، وهو يطبخ من غلية واحدة ويكون معهم الخليع «2» من اللحم، يجعلونه عليه ويصبون عليه اللّبن، وكل إنسان إنما ينام أو يأكل في عربته حال السير. وكان لي في عربتي ثلاث من الجواري، ومن عادة المسافرين في هذه البريّة الإسراع لقلّة أعشابها، والجمال التي تقطعها يهلك معظمها وما يبقى منها لا ينتفع به إلا في سنة أخرى بعد أن يسمن والماء في هذه البرية في مناهل معلومة بعد اليومين والثلاثة، وهو ماء المطر والحسيان.