والساقية التي ذكرناها تنقسم قسمين: أحدهما يمرّ بسوق العطارين، والآخر يمر بالسوق حيث القضاة والكتّاب، وعلى باب الكنيسة سقائف يجلس بها خدامها، الذين يقمّون طرقها، ويوقدون سرجها، ويغلقون أبوابها، ولا يدعون أحدا يدخلها حتى يسجد للصليب الأعظم عندهم الذي يزعمون أنه بقية من الخشبة التي صلّب عليها شبيه عيسى عليه السلام وهو على باب الكنيسة مجعول في جعبة ذهب طولها نحو عشرة أذرع وقد عرّضوا عليها جعبة ذهب مثلها حتى صارت صليبا.
وهذا الباب مصفّح بصفائح الفضة والذهب وحلقتاه من الذهب الخالص، وذكر لي أن عدد من بهذه الكنيسة من الرهبان والقسيسين ينتهي إلى آلاف «102» ، وأنّ بعضهم من ذريّة الحواريّين، وأن بداخلها كنيسة مختصّة بالنساء فيها من الابكار المنقطعات للعبادة أزيد من ألف، وأما القواعد من النساء فاكثر من ذلك كلّه.
ومن عادة الملك وأرباب دولته وسائر الناس أن يأتوا كلّ يوم صباحا إلى زيارة هذه الكنيسة، وياتي إليها البابة مرة في السنة، وإذا كان على مسيرة أربعة أميال «103» من البلد يخرج الملك إلى لقائه ويترجل له وعند دخوله المدينة يمشي بين يديه على قدميه ويأتيه صباحا ومساء للسلام عليه طول مقامه بالقسطنطينية حتى ينصرف.
والمانستار «104» على مثل لفظ المارستان إلا أن نونه متقدّمة وراءه متأخرة، وهو عندهم شبه الزاوية عند المسلمين، وهذه المانستارات بها كثيرة، فمنها مانستار عمّره الملك جرجيس والد ملك القسطنطينية، وسنذكره، وهو بخارج إصطنبول مقابل الغلطة، ومنها مانستاران خارج الكنيسة العظمى عن يمين الداخل إليها، وهما في داخل بستان يشقهما نهر ماء وأحدهما للرجال والآخر للنساء وفي كلّ واحد منهما كنيسة ويدور بهما البيوت