وحتى كان اخوانه المؤمنين يسمونه:
" سالم من الصالحين"..!!
ان قصة سالم كقصة بلال وكقصة عشرات العبيد، والفقراء الذين نفض عنهم عوادي الرق والضعف، وجعلهم في مجتمع الهدى والرشاد أئمة، وزعماء وقادة..
كان سالم ملتقى لكل فضائل الاسلام الرشيد..
كانت الفضائل تزدحم فيه وحوله.. وكان ايمانه العميق الصادق ينسقها أجمل تنسيق.
وكان من أبرز مزاياه الجهر بما يراه حقا..
انه لا يعرف الصمت تجاه كلمة يرى من واجبه أن يقولها..
ولا يخون الحياة بالسكوت عن خطأ يؤدها..
**
بعد أن فتحت مكة للمسلمين، بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض السرايا الى ما حول مكة من قرى وقبائل، وأخبرهم أنه عليه السلام، انما يبعث بهم دعاة لا مقاتلين..
وكان على رأس احدى هذه السرايا خالد بن الوليد..
وحين بلغ خالد وجهته، حدث ما جعله يستعمل السيوف، ويرق الدماء..
هذه الواقعة التي عندما سمع النبي صلى الله عليه وسلم نبأها، اعتذر الى ربه طويلا، وهو يقول:
" اللهم اني أبرأ اليك مما صنع خالد"..!!
والتي ظل أمير المؤمنين عمر يذكرها له ويأخذها عليه، ويقول:
" ان في سيف خالد رهقا"..
وكان يصحب خالد في هذه السرية سالم مولى أبي حذيفة مع غيره من الأصحاب..
ولم يكد سالم يرى صنيع خالد حتى واجهه بمناقشة حامية، وراح يعدّد له الأخطاء التي ارتكبت..
وخالد البطل القائد، والبطل العظيم في الجاهلية، والاسلام، ينصت مرة ويدافع عن نفسه مرة ثانية ويشتد في القول مرة ثالثة وسالم مستمسك برأيه يعلنه في غير تهيّب أو مداراة..
لم يكن سالم آنئذ ينظر الى خالد كشريف من أشراف مكة.. بينما هو من كان بالأمس القريب رقيقا.
لا.. فقد سوّى الاسلام بينهما..!!
ولم يكن ينظر اليه كقائد تقدّس أخطاؤه.. بل كشريك في المسؤولية والواجب..
ولم يكن يصدر في معارضته خالدا عن غرض، أو سهوه، بل هي النصيحة التي قدّس الاسلام حقها، والتي طالما سمع نبيه عليه الصلاة والسلام يجعلها قوام الدين كله حين يقول:
" الدين النصيحة..
الدين النصيحة..
الدين النصيحة".
**