ذلك انه سمع من الرسول صلى الله عليه وسلم حديثا فوعاه:
" واذا صليت فصل صلاة مودّع..
ولا تكلمن الناس بكلام تعتذر منه..
والزم اليأس مما في أيدي الناس" ...
وهكذا لم يخض في لسانه فتنة..
ولم تهف نفسه الى مطمع..
وقضى حياته في أشواق عابد، وعزوف مودّع..
فلما جاء أجله، لم يكن له في طول الدنيا وعرضها من حاجة سوى تلك الأمنية لتي تشبه حياته في بطولتها وعظمتها:
" اذهبوا بجثماني بعيدا.. بعيدا.. في ارض الروم ثم ادفنوني هناك" ...
كان يؤمن بالنصر، وكان يرى بنور بصيرته هذه البقاع، وقد أخذت مكانها بين واحات الاسلام، ودخلت مجال نوره وضيائه..
ومن ثمّ أراد أن يكون مثواه الأخير هناك، في عاصمة تلك البلاد، حيث ستكون المعركة الأخيرة الفاصلة، وحيث يستطيع تحت ثراه الطيّب، أن يتابع جيوش الاسلام في زحفها، فيسمع خفق أعلامها، وصهيل خيلها، ووقع أقدامها، وصصلة سيوفها..!!
وانه اليوم لثاو هناك..
لا يسمع صلصلة السيوف، ولا صهيل الخيول..
قد قضي الأمر، واستوت على الجوديّ من أمد بعيد..
لكنه يسمع كل يوم من صبحه الى مسائه، روعة الأذان المنطلق من المآذن المشرّعة في الأفق..
أن:
الله أكبر..
الله أكبر..
وتجيب روحه المغتبطة في دار خلدها، وسنا مجدها:
هذا ما وعدنا الله ورسوله
وصدق الله ورسوله....