ولقد جعل الله له في قلوب الأصحاب ودّا، فكان قرّة أعينهم ومهوى أفئدتهم..

ذلم أن قوة ايمانه، وصفاء نفسه، وهدوء سمته، وعبير خصاله، واشراق طلعته، كان يجعله فرحة وبهجة لكل من يجالسه، أ، يراه.

ولم يكن يؤثر على دينه أحدا، ولا شيئا.

سمع يوما جلاس بن سويد بن الصامت، وكان قريبا له.. سمعه يوما وهو في دارهم يقول: " لئن كان الرجل صادقا، لنحن شرّ من الحمر"..!!

وكان يعني بالرجل رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وكان جلاس من الذين دخلوا الاسلام رهبا.

سمع عمير بن سعد هذه العبارات ففجرت في نفسه الوديعة الهادئة الغيظ والحيرة..

الغيظ، لأن واحدا يزعم أنه من المسلمين يتناول الرسول بهذه اللهجة الرديئة..

والحيرة، لأن خواطره دارت سريعا على مسؤوليته تجاه هذا الذي سمع وأنكر..

ينقل ما سمع الى رسول الله؟؟

كيف، والمجالس بالأمانة..؟؟

أيسكت ويطوي صدره ما سمع؟

كيف؟؟

وأين ولاؤه ووفاؤه للرسول الذي هداهم الله به من ضلالة، وأخرجهم من ظلمة..؟

لكن حيرته لم تطل، فصدق النفس يجددائما لصاحبه مخرجا..

وعلى الفور تصرّف عمير كرجل قوي، وكمؤمن تقي..

فوجه حديثه الى جلاس بن سويد..

" والله يا جلا، انك لمن أحب الناس الي، وأحسنهم عندي يدا، وأعزهم عليّ أن يصيبه شيء يكرهه..

ولقد قلت الآن مقالة لو أذعتها عنك لآذتك.. وان صمتّ عليها، ليهلكن ديني، وان حق الدين لأولى بالوفاء، واني مبلغ رسول الله ما قلت"..!

وأرضى عمير ضميره الورع تماما..

فهو أولا أدّى أمانة المجلس حقها، وارتفع بنفسه الكبيرة عن ان يقوم بدور المتسمّع الواشي..

وهو ثانيا أدى لدينه حقه، فكشف عن نفاق مريب..

وهو ثالثا أعطى جلاس فرصة للرجوع عن خطئه واستغفار الله منه حين صارحه بأنه سيبلغ الرسول صلى الله عليه وسلم، ولو أنه فعل آنئذ، لاستراح ضمير عمير ولم تعد به حاجة لابلاغ الرسول عليه السلام..

طور بواسطة نورين ميديا © 2015