اذا ما راية رفعت لمجد تلقاها عرابة باليمين
تألقت شجاعته في جميع المشاهد التي صاحب فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو حيّ..
وواصلت تألقها، في المشاهد التي خاضها بعد أن ذهب الرسول الى الرفيق الأعلى..
والشجاعة التي تعتمد على الصدق بدل الدهاء.. وتتوسل بالوضوح والماوجهة، لا بالمناورة والمراوغة، تحمّل صاحبها من المصاعب والمشاق من يؤوده ويضنيه..
ومنذ ألقى قيس وراء ظهره، قدرته الخارقة على الدهاء والمناورة، وحمل هذا الطراز من الشجاعة المسفرة الواضحة، وهو قرير العين بما تسببه له من متاعب وما تجلبه من تبعات ...
ان الشجاعة الحقة تنقذف من اقتناع صاحبها وحده..
هذا الاقتناع الذي لا تكوّنه شهوة أو نزوة، انما يكوّنه الصدق مع النفس، والاخلاص للحق ...
وهكذا حين نشب الخلاف بين عليّ ومعاوية، نرى قيسا يخلوبنفسه، ويبحث عن الحق من خلال اقتناعه، حتى اذا ما رآه مع عليّ ينهض الى جواره شامخا، قويا مستبسلا..
وفي معارك صفّين، والجمل، ونهروان، كان قيس أحد أبطالها المستبسلين..
كان يحمل لواء الأنصار وهو يصيح:
هذا اللواء الذي كنا نخفّ به
مع النبي وجبريل لنا مدد
ما ضرّ من كانت الأنصار عيبته
ألا يكون له من غيرهم أحد
ولقد ولاه الامام عليّ حكم مصر..
وكانت عين معاوية على مصر دائما ... كان ينظر اليها كأثمن درّة في تاجه المنتظر ...
من أجل ذلك لم يكد يرى قيسا يتولى امارتها حتى جنّ جنونه وخشي أن يحول قيس بينه وبين مصر الى الأبد، حتى لو انتصر هو على الامام عليّ انتصارا حاسما..
وهكذا راح بكل وسائله الماكرة، وحيله التي لا تحجم عن أمر، يدسّ عند علي ضدّ قيس، حتى استدعاه الامام منمصر..
وهنا وجد قيس فرصة سعيدة ليستكمل ذكاءه استعمالا مشروعا، فلقد أدرك بفطنته أن معاوية لعب ضدّه هذه اللعبة بعد أن فشل في استمالته الى جانبه، لكي يوغر صدره ضدّ الامام علي، ولكي يضائل من ولائه له.. واذن فخير رد على دهاء معاوية هو المزيد من الولاء لعليّ وللحق الذي يمثله عليّ، والذي هو في نفس الوقت مناط الاقتناع الرشيد والأكيد لقيس بن سعد بن عبادة..
وهكذا لم يحس لحظة أن عليّا عزله عن مصر.. فما الولاية، وما الامارة، وما المناصب