ثم يرتد بصره الى حيث يقيم، في فلسطين.. فيرى معاوية بن أبي سفيان..رجل يحب الدنيا، ويعشق السلطان ...
وعبادة من الرعيل الأول الذي عاش خير حياته وأعظمها وأثراها مع الرسول الكريم.. الرّعيل الذي صهره النضال وصقلته التضحية، وعانق الاسلام رغبا لا رهبا.. وباع نفسه وماله ...
عبادة من الرعيل الذي رباه محمد بيديه، وأفرغ عليه من روحه ونوره وعظمته..
واذا كان هناك من الأحياء مثل أعلى للحاكم يملأ نفس عبادة روعة، وقلبه ثقة، فهو ذلك الرجل الشاهق الرابض هناك في المدينة.. عمر بن الخطاب..
فاذا مضى عبادة يقيس تصرّفات معاوية بهذا المقياس، فستكون الشقة بين الاثنين واسعة، وسيكون الصراع محتوما.. وقد كان..!!
**
يقول عبادة رضي الله عنه:
" بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على ألا نخاف في الله لومة لائم"..
وعبادة خير من يفي بالبيعة. واذن فهو لن يخشى معاوية بكا سلطانه، وسيقف بالمرصاد لكل أخطائه..
ولقد شهد أهل فلسطين يومئذ عجبا.. وترامت أنباء المعارضة الجسورة التي يشنّها عبادة على معاوية الى أقطار كثيرة من بلاد الاسلام فكانت قدوة ونبراسا..
وعلى الرغم من الحلم الواسع الرحيب الذي اشتهر به معاوية فقد ضاق صدره بمواقف عبادة ورأى فيها تهديدا مباشرا لهيبة سلطانه..
ورأى عبادة من جانبه أن مسافة الخلف بينه وبين معاوية تزداد وتتسع، فقال لمعاوية: " والله لا أساكنك أرضا واحدة أبدا".. وغادر فلسطين الى المدينة..
**
كان أمير المؤمنين عمر، عظيم الفطنة، بعيد النظر.. وكان حريصا على ألا يدع أمثال معاوية من الولاة الذين يعتمدون على ذكائهم ويستعملونه بغير حساب دون أن يحيطهم بنفر من الصحابة الورعين الزاهدين والنصحاء المخلصين، كي يكبحوا جماح الطموح والرغبة لدى أولئك الولاة، وكي يكونوا لهم وللناس تذكرة دائمة بأيام الرسول وعهده..
من أجل هذا لم يكد أمير المؤمنين يبصر عبادة بن الصامت وقد عاد الى المدينة حتى ساله: " ما الذي جاء بك يا عبادة" ... ؟؟ ولما قصّ عليه ما كان بينه وبين معاوية قال له عمر:
" ارجع الى مكانك، فقبّح الله أرضا ليس فيها مثلك..!!
ثم أرسل عمر الى معاوية كتابا يقول فيه:
" لا امرة لك على عبادة"..!!