141- وعن مولى لعمر بن عتبة «1» : كنت وصيفا فأسلمني في المكتب، فلما حذقت وتأدبت ألزمني خدمته واعتقني، فصاح يوما يا أبا يزيد، فالتفت انظر من يعني، فقال لي: إياك أعني، ثم قال: يا معشر قريش لا تدعوه باسمه. وقال لي: إنك أمس كنت لي وأنت اليوم مني.
والذي دعاهم إلى التكنية الإجلال عن التصريح بالاسم بالكناية عنه، ونظيره العدول عن فعل إلى فعل في نحو قوله تعالى: وَغِيضَ الْماءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ
«2» ، وقول الكتاب أمر بكذا ونهي عن كذا.
142- ومعنى كنيته بكذا سميته به على قصد الإخفاء والتورية، وكنى وكمى أخوان في إعطاء معنى الإخفاء، وكذلك كنى عنه بمعنى ترجم عنه على وجه الإخفاء. ألا ترى إلى قولهم ورى عنه ثم ترقوا عن الكنى إلى الألقاب الحسنة التي هي أضداد ما يتنابز به مما نهى الله عنه وسماه فسوقا.
فقلّ من المشاهير في الجاهلية والإسلام من ليس له لقب، ولم تزل في الأمم كلها من العرب والعجم تجري في المخاطبات والمكاتبات من غير نكير، غير أنها كانت تطلق على حسب استحقاق الموسومين بها.
- وأما ما استحدث من تلقيب السفلة بالألقاب العليّة، حتى زال التفاضل، وذهب التفاوت، وانقلبت الضعة والشرف، والفضل والنقص، شرعا واحدا فمنكر، وهب أن العذر مبسوط في ذلك، فما العذر في تلقيب من ليس في الدين بقبيل ولا دبير، ولا له فيه ناقة ولا جمل، بل هو محتو على ما يضاد الدين وينافيه، بجمال الدين وشرف الإسلام؟ هي لعمر الله الغصة التي لا تساغ، والغبن الذي يتناءر الصبر دونه. نسأل الله إعزاز دينه، وإعلاء كلمته، وأن يصلح فاسدنا، ويوقظ غافلنا.