وجه الإيمان، وهلل بها من أهله كل لسان، وجاءت بحمد الله حلوة المجتنى، حافة بالنصر من هنا ومن هنا، وذاك بفتح إنطاكية التي لم تتطرق إليها الحوادث والخطوب، ولا طرق حديث فتحها إلا سماع ولا هجس في القلوب، وادخرها الله لنا ليخصنا بفتحها الوجيز، ويجعلها باباً لما يليها من بلاد الكفر نلج منه بمشيئة الله وما ذلك على الله بعزيز، وهو أنا لما فرغنا من فتوحاتنا التي سبق بها الإعلام، وإشاراتنا التي خصت وحصت طرابلس الشام، ثنينا العنان إلى هذه الجهة فشاهدنا منها ما يروق النواظر، ورأينا مدينة يجتمع داخل سورها الإنس والوحش والطائر، للاستيطان والبادي والحاضر، يحف بها أسوار لا يقطعها الطائف في يوم مسيراً، ولا يدرك الناظر من أولها لها أخيراً، وبها رجال غدوا إليها من كل حدب ينسلون، ومن كل هضبة ينزلون، وفي ظلال كل مطهم يتقيلون، وكان نزولنا عليها في يوم الأربعاء غرة شهر رمضان المعظم فلم يكن إلا بقدر ما نزلنا إلا ورسلهم قد حضروا ليمسحوا أطراف الرضا، ويتقاضوا من العفوا حسن ما يقتضى، فما ألوى عليهم حلمنا ولا عرج، ولا نفس عنهم كربة ولا فرج، فزحفنا عليهم في يوم السبت بكرة وهو رابع الشهر، فلم يلبثوا إلا ساعة من نهار وقد دخلت عليهم من أقطارها، وتسور العسكر المنصور من أسوارها، وامتدت ألسنة الصوارم وأسنة الرماح، وشهرت البيض الصفاح، وأريقت الدماء واستحيت النساء وغنمت الأموال، وجدلت الأبطال، ووجد العالم من التحف والنعم ما لا كان يمر في خلد ولا يخطر في بال، وكتابنا هذا واليد الإسلامية

طور بواسطة نورين ميديا © 2015