أنبوب، ويتعاقب مسراته إلى الإسلام كما تتعاقب الأنواء لنفع الثرى المكروب، وأقبل بعد فتح يافا كما تقبل البكر التي لا بد لها بعد سهولة الهداء من الامتناع عند الافتراع وتهادى تهادي الغيث الذي لا بد له عند نزوله من الرعد المرعج والبرق اللماع، كان نزولنا عليها في تاسع عشر شهر رجب المبارك سنة ست وستين وستمائة بعد أن سلكنا إليها في أوعار تتعثر بها ذيول الرياح، وهبطنا في أودية لا يأنس فيها إلا بمجاوبة الصدى لقعاقع السلاح، وصعدنا في جبال لا يرى الأشباح، منها إلا كالذر والذري إلا كالأشباح، وهذه القلعة من وجه هذه الشواهق بمكان الغرة، ومن كتابها بمنزلة الطرة، كأنها سمع تناجيه النجوم بأسرارها، أو راحة بما بسطته من أصابع شرفاتها وتلك البواشير منها بمنزلة سوارها، يكاد الطرف ينقلب عنها خاسئاً وهو حسير، وكل ذي جناح يغدو دون منالها يطير، قد أحكم بناؤها فلا أيدي المعاول لأطراف أسوارها مجاذبة، وحصن فناؤها فلا غير الغمائم لها مجاورة ولا غير الرعود لها مجاوبة قد تحصن بها من الكفر كل مستقتل، وتوطنها منهم كل جاهل يرجع في التحصن بها إلى منعتها وكيف لا وهو لها مستعمل، وقد انتخبهم الفرنج من بينهم انتخاب المناصل بسريع سهامه والمفاضل لبديع كلامه وحلوا منه ذروة بعيدة المنال، وتوقلوا صهوة لا تتخطى إليها الآمال، وكنا كما قد علم المجلس السامي أعزه الله قد سيرنا إليها العساكر الشامية تمسك