ما أصاب الحصير منه وكان يعلم المريدين كيفية الدخول على المشايخ والجلوس بين يديهم وكان لا يمكن أحداً من تقبيل يده ويقول إذا مكن الشيخ أحداً من تقبيل يده نقص من حاله شيء.
وكان شديد الحياء لا يقطع على أحد كلامه ولا يخجل أحداً بما يقول وإذا جلس على طعام طأطأ رأسه لئلا ينظر إلى أحد ولا ينظر أحد إليه وكان كثير الورع يتحرى في مطعمه وملبسه ويقول الدين الورع وهو أصل العبادة وكان يتورع عن أموال السلاطين والجند وكان عن مال العرب أشد تورعاً لا يأكل لهم طعاماً ولا يقبل لهم هدية وكان للعرب عادة يمرون كل سنة بأرضنا مرتين فإذا مروا لا يأكل مما يباع في السوق لا لحماً ولا لبناً ولا غيرهما بل يتأدم بالزيت وما كان من الأدم في البيت وكان في بدو أمره لا يأكل إلا من المباح يجمع الأشنان بيده وتارة يحصد فلما كبر وأسن كان يأمر من حوله من الفقراء والأصحاب فيخرجون إلى الصحراء فيزرعون زرعاً ويحصدونه فإذا حصل قال لهم لا ترفعوه حتى تدفعوا إلى السلطان نصيبه منه وكانوا يفعلون ذلك قال وأخبرني الشيخ أبو المجد بن أبي الثناء قال حدثني الشيخ طالب الحلي قال حضرت مع الشيخ في وليمة فلما حضر الطعام قدم بين يدي قصعة طعام وكان لي بصيرة فنظرت فإذا الطعام الذي فيها حرام فتوقفت عن أكله فقال الشيخ للخادم يا فلان امض إلى ذلك الفقير وارفع القصعة التي بين يديه فإن بينه وبينها خصومة فجاء الخادم ورفع القصعة من بين يدي وجاء بقصعة غيرها.