ودفن ليلاً، وقد جاوز السبعين رحمه الله تعالى.
محمد بن عبد الله أبو عبد الله ناصر الدين الحراني الحنبلي. ولي دمشق بعد وفاة والده رحمهما الله وأضيف إليه شد الأوقاف والنظر فيها مستقلاً من غير مشاركة، يولي ويعزل، ويصرف كيف شاء، وكان مدار أمور الدولة بدمشق وأعمالها عليه؛ ونائب السلطنة لا يخالفه، ولا يخرج عن رأيه. وله المكانة العالية عند الملك الظاهر ووزيره وأكابر أمراء دولته، وكلمته مسموعة في سائر المملكة، وكتبه نافذة في الأقطار، وعنده معرفة تامة، ورياسة كبيرة، وخبرة بسائر الأمور، ويكتب خطاً منسوباً، رأيته يكتب وهو ينظر إلى جهة أخرى، وكان كثير المكارم والستر، وقضى حوائج الناس، يصلح لكل شيء، ولقد سمعت بعض الأمراء الأكابر يقول عنه: والله يصلح لوزارة بغداد في زمن الخلفاء، ولا يقوم غيره مقامه، ثم استعفى من ولاية دمشق، وسأل ذلك فأجيب عليه، ثم رسم له الملك المنصور سيف الدين قلاوون رحمه الله بنيابة السلطنة بحمص وأعمالها، فتوجه إلى كره منه، فهذب أمورها، وأصلح أحوالها، ولم تطل مدته بها، فأدركته منيته ليلة الثلاثاء منتصف شعبان، فغسل بها، وكفن، وصلي عليه، وحمل إلى دمشق، فوصل يوم الخميس سابع عشره، فصلي عليه، ودفن بسفح قاسيون بتربة الشيخ أبي عمر رحمة الله عليه ولم يبلغ الستين رحمه الله تعالى وكان وقف في حال حياته قبل موته بمدة سنين وقفاً كثيراً على عتقائه، وعلى وجوه البر، وأثبته، وحكم به الحكام، وصرف ريعه في حال حياته كما شرط، فنفعه بعض الكلمة فيه، وقال الواقف: