ذيل مراه الزمان (صفحة 1408)

في ذلك، فتركت اللحم لهذا السبب، وهذا غاية الورع، فقلت له: المولى قد قارب بفعله ما يروى عن أمير المؤمنين، لم نعهد لي بخيلاً. فقال: ما أفعل هذا بخلاً، لكنني منذ قتل عثمان رضي الله عنه ونهبت داره وما فيها لا آكل شيئاً إلا أتحقق حله، وأعلم أصله أو ما هذا معناه. وكان القاضي محي الدين المشار إليه من أصحاب والدي رحمه الله. سمع عليه الكثير ولازمه لما نزل دمشق في أواخر سنة خمس وخمسين، وكان والدي يكرمه ويحبه ويثني عليه. وكان أهلاً لذلك، وحضر عدة مصافات مع الفرنج وحصارات لبلادهم، وله المواقف المشهورة والآثار المذكورة في ذلك رحمه الله تعالى. حكى لي أخي رحمه الله عنه ما معناه، قال: لما قصد الفرنج غزة، جهز إليهم الملك الصالح نجم الدين عسكراً، مقدمه ركن الدين بيبرس الصالحي، وهو من أكابر الأمراء وأعيانهم، ثم بلغه أنهم في كثرة لا يقاومهم العسكر المسير إليهم، فكتب بطاقة إلى ركن الدين مقدم العسكر يأمره بالتأخر، وأنه لا يلقاهم بمن معه إلى حين يصله مدد يقوى به عليهم، وحضر الفرنج، وركب الأمير ركن الدين ومن معه لملتقاهم، ووقف العين في العين، وبقي بين العسكرين مقدار شوط فرس، فحضرت البطاقة إلى ركن الدين في ذلك الوقت، وأنا إلى جانبه فقال لي: تقف على هذه البطاقة وتعرفني مضمونها، فلما وقعت عليها، قلت في نفسي: متى عرفته اندفع، وطمعوا فيه وفيمن معه، والكذب في مثل هذا الموطن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015