ألم يك ملهاة عَنِ اللهو أنني ... بدا لي شيب الرأس والضعف والألم
ألمَّ بيَ الخطب الَّذِي لو بكيته ... حياتي حَتَّى ينفد الدمع لَمْ أُلم
قَالَ أَبُو المظفر: وَكَانَ سبب موته: أَنَّهُ حضر مجلسي بقاسيون فِي الجامع، مَعَ أخيه الموفق والعماد والجماعة. وَكَانَ قاعدا فِي الباب الكبير، وجرى الْكَلام فِي رؤية الله تعالى ومشاهدته، واستغرقت فِي ذَلِكَ، وَكَانَ وقتا عجيبا، وأبو عُمَر جالس إِلَى جانب أخيه الموفق. فقام وطلب بَاب الجامع، وَلَمْ أره. فالتفت، فَإِذَا بَيْنَ يديه شخص يريد الخروج من الجامع، فصحت عَلَى الرجل: اقعد، فظن أَبُو عُمَر أنني أخاطبه، فجلس على عتبة بَاب الجامع الجوانية إِلَى أَن فرغ المجلس. ثُمَّ حُمل إِلَى الدير. فكان آخر العهد بِهِ. وأقام مريضا أياما، وَلَمْ يترك شَيْئًا من أوراده. فلما كَانَ عشية الإِثنين ثامن عشر ربيع الأول - يعني سنة سبع وستمائة - جمع أهله واستقبل القبلة، ووصاهم بتقوى اللَّه ومراقبته، وأمرهم بقراءة يس وَكَانَ آخر كلامه: " إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ". " البقرة: 132 ".
وتوفى رحمه اللَّه تَعَالَى، وغسل فِي السحر. ومن وصل إِلَى الماء الَّذِي غسل بِهِ نشف بِهِ النِّسَاء مقانعهن، والرجال عمائمهم، وَلَمْ يتخلف عَن جنازته أحد من القضاة وَالْعُلَمَاء والأمراء والأعيان وعامة الخلق. وَكَانَ يوما مشهودا.
ولما خرجوا بجنازته من الدير كَانَ يوما شديد الحر، فأقبلت غمامة فأظلت النَّاس إِلَى قبره. وَكَانَ يسمع منها