قال تعالى: {وَأَمَّا مَن جَاءَكَ يَسْعَى (8) وَهُوَ يَخْشَى (9) فَأَنتَ عَنْهُ تَلَهَّى (10) كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ (11)} [عبس: 11].
قال الطبري: وأما هذا الأعمى الذي جاءك يسعى، وهو يخشى الله ويتقيه، فأنت عنه تتلهى وتعرض وتتغافل، وتتشاغل عنه بغيره، {كَلَّا} ليس الأمر كما تفعل يا محمد، حيث تعبس في وجه من جاءك يسعى وهو يخشى، وتتصدى لمن استغنى، {إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ} إن هذه السورة والدعوة تذكرة وعظة وعبرة (?).
فبذلك يتبين لنا أن قضاء حوائج ذوي الاحتياجات الخاصة مقدم على قضاء حوائج الآخرين، جاء في صفوة التفاسير: " قال المفسرون: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد هذا العتاب، لا يعبس في وجه فقير قط، ولا يتصدى لغني أبدا، وكان الفقراء في مجلسه أمراء. (?)
وبقي هذا الإحسان والعناية والاهتمام بذوي الاحتياجات الخاصة، عند الخلفاء والأئمة والولاة الذين التزموا تعاليم القرآن الكريم، وساروا على نهج النبي - صلى الله عليه وسلم - في الدولة الإسلامية، فنجد أبا بكر قد أكد في أول خطبة له بعد البيعة، على أهمية نصرة الضعفاء فجاء في خطبته: الضعيف فيكم قوي عندي حتى أُريح* عليه حقه إن شاء الله. (?)
ونجد في خلافة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - رعاية هذه الشريحة ومعرفة قدرهم، فقد حضر عمرو بن طفيل، وكانت يده قد قطعت يوم معركة اليمامة، وبينما هم جلوس، حضر الطعام فتنحى عمرو عنه، فالتفت إليه عمر - رضي الله عنه - وقال: لعلك تنحيت لمكان يدك؟ قال عمرو: أجل، قال عمر بن الخطاب: والله لا أذوق حتى تسوطه بيدك، ما في الحاضرين مَن بعضه في الجنة غيرك. (?)
ونجد أن العناية بشؤون هذه الشريحة، وقضاء حوائجها قد زاد بزيادة موارد الدولة الإسلامية واتساع رقعتها.
ففي عهد عمر بن عبد العزيز: "كتب الى أمصار الشام، أن ارفعوا اليّ كل أعمى في الديوان، أو مُقعدا أو من به الفالج أو من به زمانة، تحول بينه وبين القيام الى الصلاة، فرفعوا اليه، فأمر لكل أعمى بقائد، وأمر لكل اثنين من الزمنى بخادم"، (?) وذلك على نفقة الدولة.
وفي عهد الخليفة الوليد بن عبد الملك "أعطى الناس وأعطى المجذومين وقال لهم: لا تسألوا الناس، فأعطى كل مُقعد خادما وكل ضرير قائدا"، (?) وقد انشأ الوليد بن عبد الملك مستشفاً متخصصاً لعلاج مرض الجذام*. (?)