ثم هاجر إِلَى النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - وشهد معه فتح مكة، وانقطعت الهجرة، وشهد حنينًا، وثبت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما انهزم الناس بحنين، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يُعظمه، ويُكَرمه بعد إسلامه، وكان وصولًا لأرحام قريش، محسنا إليهم، ذا رأي سديد وعقل غزير، وكان الصحابة يعرفون للعباس فضله، ويقدمونه ويشاورونه ويأخذون برأيه، وكفاه شرفًا وفضلًا أَنَّهُ كان يُعَزّى بالنبي - صلى الله عليه وسلم - لما مات، ولم يخلف من عصباته أقرب منه، وأَضر العباس في آخر عمره. (?)
قال صفي الدين: العباس - رضي الله عنه - له خمسة وثلاثون حديثا، اتفقَ البخاري ومسلم على حَدِيث وانفرد البخاري بحديث ومسلم بثلاثة، روَى عنهُ بنوه عبد الله وَكثير وَعبيد الله وعامر بن سعد، مات سنة اثنتين وثلاثين عن ثمان وثمانين سنة، وصلى عليه عثمان ودفن في البقيع رضي الله عنه. (?)
فائدة:
من ابتُلي في أعضائه أو حواسه، فلا يظن أن غضباً نزل به، فالعباس - رضي الله عنه - من آل البيت وعم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومع ذلك ابتُلي في بصره.
هو عبد الله بن عباس، ابن عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، صحابي جليل من آل البيت، كني بابنه العباس، وكان يسمى البحر، لسعة علمه، ويسمى حبر الأمة، وترجمان القرآن، وُلِد والنبي - صلى الله عليه وسلم - وأهل بيته بالشعب في مكة، فأتي به الى النبي - صلى الله عليه وسلم - فحنكه بريقه، وذلك قبل الهجرة بثلاث سنين، ودعا له النبي - صلى الله عليه وسلم - مرتين.
فعن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: (ضمني النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى صدره، وقال: اللهم علمه الحكمة). (?)
وعن ابن عباس - رضي الله عنه -، قال: (كان في بيت ميمونة، فوضعت له وضوءا من الليل، فقالت له ميمونة: وضع لك هذا عبد الله بن عباس. فقال: اللهم فقه في الدين، وعلمه التأويل). (?)
فكان حكيما فقيها سديد الرأي، لذا كان يلجأ اليه أمير المؤمنين عُمر - رضي الله عنه - إذا جاءته القضايا المعضلة، فيقول لابن عباس: " إنها قد طرأت لنا أقضية وعضل، فأنت لها ولأمثالها، ثم يأخذ بقوله، وما كان يدعو لذلك أحدا سواه".