ثم لما شرع السجود بوصف التكرار، لم يكن بد من الفصل بين السجدتين، ففصل بينهما بركن مقصود، شرع فيه من الدعاء ما يليق به، ويناسبه، وهو سؤال العبد المغفرة والرحمة والهداية والعافية والرزق (?)، ودفع شر الدنيا والآخرة، فالرحمة تُحصل الخير، والمغفرة تقي الشر والهداية توصل إلى هذا وهذا، والرزق إعطاء ما به قوام البدن من الطعام والشراب، وما به قوام الروح والقلب من العلم والإيمان، وجعل جلوس الفصل محلاً لهذا الدعاء لما تقدمه من رحمة الله والثناء عليه والخضوع له، فكان هذا وسيلة للداعي ومقدمة بين يدي حاجته.
فهذا الركن مقصود الدعاء فيه فهو ركن وضع للرغبة وطلب العفو والمغفرة والرحمة، فإن العبد لما أتى بالقيام والحمد والثناء والمجد، ثم أتى بالخضوع وتنزيه الرب وتعظيمه، ثم عاد إلى الحمد والثناء، ثم كمل ذلك بغاية التذلل والخضوع والاستكانة، بقي سؤال حاجته واعتذاره وتنصله فشرع له أن يتمثل في الخدمة فيقعد فعل العبد الذليل جاثيًا على ركبتيه كهيئة الملقي نفسه بين يدي سيده راغبًا راهبًا معتذرًا إليه مستعديًا إليه على نفسه الأمارة بالسوء ثم شرع له تكرير هذه العبودية مرة بعد مرة إلى إتمام الأربع، كما شرع له تكرير الذكر مرة بعد مرة لأنه أبلغ في حصول المقصود، وأدعى إلى الاستكانة والخضوع.