ثم يُعطي قوله: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} عبوديتها ويتأمل تضمنها لإثبات المعاد، وتفرد الرب فيه بالحكم بين خلقه، وأنه يوم يدين فيه العباد بأعمالهم في الخير والشر وذلك من تفاصيل حمده، وموجبه.
ولما كان قوله: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} إخبارًا عن حمده تعالى قال الله: «حمدني عبدي» ولما كان قوله: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} إعادة وتكريرًا لأوصاف كماله قال: «أثنى علي عبدي» فإن الثناء إنما يكون بتكرار المحامد وتعداد أوصاف المحمود، ولما وصفه سبحانه بتفرده بـ {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} وهو الملك الحق المتضمن لظهور عدله وكبريائه وعظمته ووحدانيته وصدق رسله، سمى هذا الثناء مجدًا فقال: «مجدني عبدي» فإن التمجيد هو الثناء بصفات العظمة والجلال.
فإذا قال: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} انتظر جواب ربه له: «هذا بيني وبين عبدي؛ ولعبدي ما سأل» وتأمل عبودية هاتين الكلمتين وحقوقهما ومَيِّزَ الكلمة التي لله والكلمة التي للعبد، وَفَقِهَ سرَّ كون إحداهما لله والأخرى للعبد، وميز بين التوحيد الذي تقتضيه كلمة {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} والتوحيد الذي تقتضيه كلمة {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} وَفَقِهَ سرَّ كون هاتين الكلمتين في وسط السورة بين نوعي الثناء قبلهما والدعاء بعدهما, وَفَقِهَ