293 - وحدثنا محمد بن علي، أخبرنا إبراهيم، قال: سمعت الفضيل، يقول: كتب الحسن بن أبي الحسن إلى عمر بن عبد العزيز: -[132]-
أما بعد، يا أمير المؤمين، فاعلم أن الدنيا ليست بدار إقامة، وإنما أهبط آدم إليها عقوبة، فبحسب من لا يدري ثواب الله أنه ثواب، وبحسب من لا يدري عقاب الله أنه عقاب، ليست صرعتها كالصرعة تهين من أكرمها، وتذل من أعزها، وتفقر من جمعها، ولها في كل حين قتيل، فالزاد منها تركها، والغنى فيها فقرها، هي والله يا أمير المؤمنين كالسم يأكله من لا يعرفه ليشفيه، وهو حتفه، فكن فيها يا أمير المؤمنين كالمداوي جرحه، يحتمي قليلاً مخافة ما يكره طويلاً، ويصبر على شدة الدواء مخافة البلاء، فأهل البصائر الفضائل فيها يا أمير المؤمنين، مشيهم بالتواضع، وملبسهم بالاقتصاد، ومنطقهم بالصواب، ومطعمهم الطيب من الرزق، قد نفذت أبصارهم في الأجل، كما نفذت أبصارهم في العاجل، فخوفهم في البر كخوفهم في البحر، ودعاؤهم في السراء كدعائهم في الضراء، ولولا الأجل الذي كتب عليهم لم تقر أرواحهم في أبدانهم إلا قليلاً، خوفاً من العقاب، وشوقاً إلى الثواب، عظم الخالق في أعينهم، وصغر المخلوق عندهم، فارض منها بالكفاف وليكفك ما بلغك المحل.