ذم الدنيا (صفحة 172)

168 - حدثني عمر بن أبي الحارث الهمداني، أخبرنا محبوب بن عبد الله -[86]- النميري، أخبرنا عبيد الله بن أبي المغيرة القرشي، قال: كتب إلي الفضل بن عيسى: أما بعد فإن الدار التي أصبحنا فيها دار بالبلاء محفوفة، وبالفناء موصوفة، كل ما فيها إلى زوال ونفاد، بينما أهلها في رخاء وسرور، إذا صيرتم في وعثاء ووعور، أحوالها مختلفة، وطبقاتها منصرفة، يضربون ببلائها، ويمتحنون برخائها، العيش فيها مذموم، والسرور فيها لا يدوم، وكيف يدوم عيش تغيره الآفات، وتنويه الفجيعات، وتفجع فيه الرزايا، وتسوق أهله المنايا، إنما هم بها أغراض مستهدفة، والحتوف لها مستشرفة، ترميهم بسهامها، وتغشاهم بحمامها، لا بد من الورود بمشارعه، والمعاينة لفظائعه، أمر قد سبق من الله في قضائه، وعزم عليه في إمضائه، فليس منه مذهب، ولا عنه مهرب، ألا فأخبث بدار يقلص ظلها ويفنى أهلها، إنما هم بها سفر نازلون، وأهل ظعن شاخصون، كأن قد انقلبت بهم الحال، وتنادوا بالارتحال، فأصبحت منهم قفاراً، قد انهارت دعائمها، وتنكرت معالمها، واستبدلوا بها القبور الموحشة، التي استبطنت بالخارب، وأسست بالتراب، فمحلها مقترب، وساكنها مغترب، بين أهلها موحشين، وذوي محلة متشاسعين، لا يستأنسون بالعمران، ولا يتواصلون بتواصل الإخوان، ولا يتزاورون تزاور الجيران، قد اقتربوا في المنازل، وتشاغلوا عن التواصل، فلم أر مثلهم جيران محلة، لا يتزاورون على ما بينهم من الجوار، وتقارب الديار، وأنى ذلك منهم، وقد طحنهم بكلكله البلى، وأكلتهم الجنادل والثرى، وصاروا بعد الحياة رفاتاً، قد فجع بهم الأحباب، وارتهنوا فليس لهم إياب، وكأن قد صرنا إلى ما إليه صاروا، فمرتهن في ذلك المضجع، ويضمنا ذلك المستودع، نؤخذ بالقهر والاعتسار، وليس ينفع منه شفق الحذار، والسلام.

قال: قلت له: فأي شيء كتبت إليه؟ قال: لم أقدر له على الجواب.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015