حتى نزلت «الشّرائع»، كما زعموا أن الطائف هاجرت من الشام فطافت الأقطار حتى استقرّت هنا، فمن ثَمّ سُمّيت «الطائف»؟ وليس هذا من صحيح الأخبار ولكنه من طرائف اللطائف.
وفي حُنَين (وهي الشّرائِع) عيون كانت تأنس عيونُنا بصفاء مائها وتسرح أفكارُنا مع انطلاق سواقيها، عيون ولا كعيون الشام، «مرعى ولا كالسَّعْدان وماء ولا كصَدّاء» (?)؛ تلك تنبثق من بطن الثرى باردة تُثلِج الفؤاد وتبلّ الصدى، وهذه تخرج دافئة فاترة تدفع العطش ولكنها لا تلذّ الشارب، على أن هذه في هذا القفر وأختها الكبرى (الجِعْرانة) أغلى وأثمن من تلك التي تخرج من الأرض التي تجري من فوقها الأنهار.
* * *
لمّا قال "هذا شَرورى" حسبت أننا قد دنونا منه وأننا نمشي ربع ساعة بالسيارة فنكون أمامه، ما كنت قد تعلّمت بعد أن البدوي يستصغر المسافات فتتجاوزها همته فيراها قريبة. فسرنا النهار كله إلى الليل وشرورى ما دنا منّا وما رأيتُنا قد دنونا منه؛ إنه لا يزال رابضاً مكانه على حدود الأفق. فنزلنا للمبيت، ولمّا