القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، فلم تعد تجد اليوم «فرنسة» و «إيطالية» مثلاً بل «فرنسا» و «إيطاليا». وكذلك وجدت في الذكريات «أمريكا» و «أميركا» و «أوروبا» بواو ثانية و «أوربا» بلا واو، فجعلت ذلك كله «أميركا» و «أوربا» لأنه هو مذهب جدي رحمه الله في كتابة هذه الأسماء. وقل مثل ذلك في اختلاف رسم اسم العلَم (العمودي والعامودي مثلاً)، وعشرات من أمثال ذلك. وقد وقعَت أخطاء الرسم هذه كلها وكثيرٌ من أخطاء الإملاء (التي صحّحتها) وبعضُ الأخطاء المضحكة في تبديل كلمة بأخرى، كل ذلك وقع حينما توقف جدي عن كتابة الحلقات بخط يده وتحوّل إلى إملائها بصوته، فصارت تُسَجَّل على شريط يذهب إلى الجريدة فيَطبع طابِعُها الحديثَ الذي يسمعه كما يسمعه، فما أكثرَ الأعاجيب التي كنتَ تجدها مطبوعة عندئذ، أكثرُها صحّحه جدي في وقته وأقلها وجد طريقه إلى الكتاب المنشور!
أما الحواشي التي أضفتها إلى الكتاب فقد سرت فيها على خطتي المألوفة التي اتّبعتها في كل ما راجعته من كتب جدي من قبل؛ فأنا أوضح فيها ما أجده غامضاً غموضاً أقدّر حاجة عامة القراء إلى إيضاحه (وهو في هذه الذكريات أكثر من سواه فيسائر الكتب بسبب خصوصية الزمان والمكان) أو موجَزاً إيجازاً يصلح معه بعض التفصيل والبيان، وإذا أشار إلى مقالة له أو كتاب ذكرتُ المقالة أو ذكرت الكتاب، وربما وجدته قد طرح المسألة في صيغة الشكّ أو التساؤل، فعندئذ أتابعه فيها بقدر ما أملك من التدقيق والتوثيق، كضبط بيت من الشعر أو نسبته إلى قائله، أو تحقيق معلومة تاريخية، وأمثال ذلك مما ستجدونه في مواضعه.