مجلة «البعث» من قبلها لضاعتا فيما ضاع.
وناجي أحد الذين يجري الشعر على ألسنتهم كما يجري الماء، ينظمونه عفواً ويرتجلونه ارتجالاً. ولقد عرفت من الشعراء الكبار في هذا العصر مَن يرتجل، منهم الشاعر الكبير الشيخ عبدالمحسن الكاظمي. قال له مرة الأستاذ خير الدين الزركلي في مصر: وجدت أبياتاً أحب أن تُجيزها. قال: هاتِ. فقرأ عليه أبياتاً من بحر الطويل وقافية الراء، فتدفّق الكاظمي بقصيدة من البحر والرويّ، فلما بلغ منها بضعة عشر بيتاً قال له خير الدين: لا لا، عفواً بل من البحر الكامل وقافية النون. قال له: هل تمتحنني ياخير الدين؟ وأجاز هذه الأبيات بقصيدة ارتجلها بلغَت أبياتها خمسة وأربعين بيتاً، تدفّق بها تدفّقاً من غير إعداد ولا تحضير. وحدّثني بها الأستاذ الزركلي رحمه الله والأستاذ أحمد عبيد.
وجُزتُ يوماً بأخي ناجي، وكان وحده في الدار يعالج شيئاً فيها. قلت: ماذا تصنع؟ قال: هذا القميص وجدتُه متوسّخاً فنزعته. قلت: هذا كلام موزون فأتمِم القصة. قال:
هذا القَميصُ معَ اللّباسِ (?) وجَدتُهُ ... متوسّخاً فنزَعتُه وخلَعتُه
ووجَدتُ قِدراً فارغاً فوضَعتُهُ ... فيها وماءً صافياً فنقَعتُه
ووضَعتُ «تَيْداً» فوقَهُ ومزَجتُهُ ... وترَكتُهُ في جوفِها ونقَعتُه
وخرَجتُ منْ بيتي وقدْ أقفلتُهُ ... ورأيتُ قُربي مسجداً فدخَلتُهُ
والفرضَ خلفَ إمامِهِ أدّيتُهُ ... ومشَيتُ في سوقٍ هناكَ رأيتُهُ