ولكن من نعم الله على الإنسان أن الطفرة لا مكان لها في نظام هذا الكون وأن كل شيء يتبدّل ولكنه يجري في تبدُّله على مهل؛ إنك ترى ظل الشمس عند الجدار تحسبه ثابتاً لا يتحرك، ولكن عد إليه بعد ساعتين تجده قد انتقل من مكانه، والعقرب الصغير في الساعة تبصره واقفاً ولكنه يمشي.
والإنسان ينتقل من الضعف إلى القوة ويعود بعد القوة إلى الضعف. يكون طفلاً لا يملك نفعاً ولا ضراً، لا يستطيع أن يطرد الذباب إذا حطّ على أنفه الذباب، ثم يقوى حتى يطوي الأرض فيعلو متن الهواء ثم يخترق طرف الفضاء. ولو سألته: في أيّ ساعة من أيّ يوم انتقلتَ من الطفولة إلى الشباب ومن الشباب إلى الكهولة؟ لما استطاع أن يُجيب.
والليل يكون أسْوَدَ داجياً، فمَن كان في غرفة مغلقة لا يبصر مما حوله شيئاً، إذا أخرج يده لم يكَد يراها، فإذا كانت الظهيرة من الغد ملأ الضوء المكان وكشف كل ما فيه، فهل انتقلنا من ظلمة الليل إلى وهج الظهيرة في لحظة واحدة؟ إن سنّة الله في خلقه أنه يولج الليل في النهار، وأنه يُخرِج من الطفل الضعيف رجلاً قوياً، ثم يعود القوي ضعيفاً كما بدأ.
لقد صدر في أعقاب الحرب الأولى، يوم كنت تلميذاً في أواخر المدرسة الابتدائية، كتاب تُرجم إلى أكثر اللغات وقُرئ في أكثر البلدان، ألّفه شبنكلر، ينتقد ما يقرَّر على الطلاب في المدارس من أن القرون الأولى تنتهي بسقوط روما وأمثال هذه التحديدات. ومثلها ما يدرَّس عندنا في تاريخ الأدب من أن العصر