إناءها، وأنا قد خرجت وملء إنائي الزبد، ولكن عملي كان عبثاً لأني لم أُعطَ لبناً أمخضه ليكون زبداً، بل كان الذي أُعطيتُه زبداً خالصاً، فإذا ثمرة تعبي أني نقصت منه بما أخذت ولم أزِد عليه بما تعبت.
أفكان أخي الحبيب وسميّي الأستاذ علي أبو الحسَن يسخر مني؟ أم كان يمتحنني؟ أم كان يريد أن يعجّزني؟ إن كان امتحاناً (وعند الامتحان يُكرَم المرء أو يُهان) فأنا أعترف أنني قد خرجت بالهوان ورسبت في الامتحان، وإن كان في الأمر تعجيز فقد أقررت بالعجز وألقيت السلاح ورفعت الراية البيضاء.
أنا أكتب في الصحف والمجلات من ستين سنة وكان أول كتاب نُشر لي سنة 1348هـ، فما ضقت يوماً بمقالة ولا أحسست التعب بها كما أحسست عند هذه المقدّمة ومقدّمة كتاب أخي ناجي الطنطاوي (?). لا لأن مجال القول في أبي الحسن ضيق:
لقدْ وجَدت مجالَ القولِ ذا سَعَةٍ ... فإنْ وجدتَ لساناً قائلاً فقُلِ
وماذا أقول، وقد سدّ عليّ مسالك القول فلم يدَعْ لي مسافة أنملة لأدخل منها فأكتب عنها؟ لقد قرأت مذكّرات كثير من أدباء