وكانت وزارة العدل في الطبقة التي هي فوق المحكمة، وكنت أبقى في المحكمة وحدي بعدما ينصرف الموظفون والمراجعون فأتغدى فيها، يأتيني الطعام كل يوم من مطعم قريب اسمه «مطعم الأمراء» (في أول سوق الحميدية). وأنا أعرف صاحبه وأباه من قبله وأعرف جدّه من قبلهما، وكانوا كلهم من السِّمان، من الوزن الثقيل أو الذي هو فوق الثقيل.

والسمان عادة يكونون خِفاف الروح ويكونون من أظرف الناس، كأن الذي زاد في شحمهم ولحمهم خفّف من دمهم! هذا هو الغالب عليهم، فإن وجدتم فيهم من ثَقُل دمه كما ثقُل جسمه فتلك هي المصيبة الكبرى. ولَحَملُ صخرة تصعد بها إلى الجبل أهون من مجالسة سمين ثقيل الدم!

ولعلّ سبب سمن أصحاب المطعم أنهم يرون أمامهم طعاماً طيباً، هو لهم يدعون بما شاؤوا منه فيكون أمامهم، وأن عملهم يقتضيهم الجلوس النهار كله لا يقومون ولا يتحركون. وإذا كثر الطعام وقلّت الحركة عوقب المرء بحمل عشرة أكيال (كيلوغرامات) أو خمسة عشر من الدهن والشحم يقوم بها وينام بها. وهذا ما يقع لأكثرنا، ولقد عمدت من بضع سنين إلى حِمية قاسية بلا مرض وجوع طويل بلا موجب، وإلى الاختصار من الطعام على ما حدّده الطبيب بعدما حَسَبه بالحرّات (أي الكالوري) وحدّد لي حداً لا أتعدّاه، فكنت أشرع بالأكل وأنا جائع وأقوم عن الأكل وأنا جائع، وصبرت على ذلك شهوراً فقلّ وزني أربعة وسبعين.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015