وممن كان كاتباً في الديوان الأستاذ صبحي القوّتلي الذي صار الرئيس الأول لمحكمة النقض، محكمة التمييز، ولست أؤكّد ذلك وأشكّ: هل كان مع أبي في ديوان المحكمة على عهد الدولة العربية في أعقاب الحرب الأولى أم كان تلميذه في المدرسة التجارية؟ وهو من أنزه القضاة الذين عرفتهم، وله قلم بليغ وله اطّلاع واسع، وكان يُكثِر قراءة القرآن وتدبّره من غير رجوع إلى كتب التفسير، فيصل بذهنه إلى أشياء منها ما هو جديد مقبول ومنها ما هو مردود. ومثله في ذلك أستاذنا في مكتب عنبر الأستاذ حسن يحيى الصبان.

فمما كان يقوله الأستاذ القوتلي أن حديث «لا يدخل أحدٌ منكم الجنة بعمله» مخالف للقرآن لأن الله يقول: {ادخُلُوا الجنّةَ بِما كُنتمْ تعمَلُون}، وفي القرآن آيات كثيرة في هذا المعنى. ويقول إن صحيح البخاري فيه أصحّ الأحاديث رواية ولكن الناس بالغوا في تقديره حتى وصلوا إلى تقديسه، مع أن المحدّثين يقرّرون أن الحديث -مهما كانت درجته ومهما كانت منزلة راويه- إذا خالف القرآن ولم يمكن التوفيق بينه وبين الآية نحكم بأن الرسول لم يقُله، لأن الرسول ‘ لا يقول ما يخالف القرآن مخالفة تامّة. (أقول: وهذه القاعدة مدوَّنة في كتب المصطلح، تجدونها في أصغر كتاب في هذا العلم لأكبر عالِم فيه، هو «شرح نخبة الفِكَر» لابن حجر). وكنا إذا قلنا له إن الباء في الآية بمعنى غير الباء في الحديث أجاب بأن ذلك أيضاً أثر من آثار تقديس صحيح البخاري، فالنحويون اخترعوا هذه الفروق للباء ليثبتوا أنه ليس بين الحديث والآية اختلاف!

طور بواسطة نورين ميديا © 2015