وسافرتُ السفرة الرابعة إلى مصر. وكانت الأولى سنة 1346هـ، وأقمتُ في مصر شهرين ثم رجعت. والثانية سنة 1347 وقد دخلت فيها دار العلوم العليا في حيّ المنيرة، ولم أكملها بل رجعت فجأة إلى دمشق فدرست الفلسفة ونلت شهادتها. والثالثة سنة 1364 (1945)، وفيها عرفت الشيخ حسن البنا من قريب، ولقيت الأستاذ الزيات أول مرة وكنت أكتب عنده وأراسله من سنة 1933 (1351)، وقد عرفته قبل ذلك في دمشق لمّا مرّ بها وألقى فيها محاضرته عن كتاب ألف ليلة ولكني لم أقابله. وهذه هي المرة الرابعة.

وكان الذهاب إلى مصر برّاً كما عرفتم: نركب السيارة أو القطار إلى حيفا، ثم نغدو منها في الساعة الثامنة صباحاً فنقف عند القنطرة ونجتاز قناة السويس في عبّارة، ثم نركب قطار مصر فنصل محطة باب الحديد في القاهرة الساعة العاشرة والنصف ليلاً.

وقد كنت أسافر وحدي، فأنا اليوم أسافر مع زوجتي وبناتي الصغيرات. واستأجرت سيارة كبيرة تتّسع لسبعة رُكّاب وتركت مقاعدها خالية حتى يستريح فيها البنات وأمّهن. ثم وقعت لي واقعة لا أزال كلما تذكرتها أغضب منها وقد مضى عليها الآن أكثر من أربعين سنة قمرية، أغضب من الناس الذين خدعوني، وأغضب من نفسي حين انخدعت لهم، وأغضب من الثقيل الذي نغّص علينا سفرنا. وهو أحد أخوين تاجرَين في البزورية بدمشق، قصير القامة صورته أمام ناظري، جعلني أندم على عمل الخير (فهل سمعتم بمن يندم على عمل الخير؟) وأنوي أن لا أعود إلى مثله! وأستغفر الله من مثل هذه النيّة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015