يجعلونها همزة). أي أنهم قالوا: من الباب الشرجي!
ولمّا وصلنا بغداد أنا وأنور استوقفنا عربة، فقلت لصاحبها: خذنا إلى محلّ نَزِه، فقال: تروحون باب شرجي؟ فحسبته يسخر منّا ويشتمنا لأنه ذكر باب الشرج، وكادت تكون بيننا معركة لولا أنه كان ذكياً فأدرك وقال: أعني الباب الشرقي.
خرجنا من الباب الشرقي، ولم يكن عنده يومئذ بنيان كثير إلاّ في حيّ البتاويين حيث تقوم بعض البيوت الأنيقة، ثم مشينا بين صفّين من النخيل إلى الهنيدي، وكان فيه المعسكر البريطاني الذي صار -بعد- معسكر الرشيد. وعبرنا نهر ديالي، أحد روافد دجلة، وهو يمرّ في حدائق الرستمية التي لم أرَ مثلها إلاّ قليلاً، في سعتها وفي جمالها وفي ترتيبها وفي روعة حدائقها وجمال أشجارها، كأنها القناطر الخيرية في مصر. وكان فيها دار المعلّمين الريفية التي كان يدرّس فيها رفيقنا أحمد مظهر العظمة رحمه الله، والأستاذ العالِم الزراعيّ الأثري وصفي زكريا رحمه الله، وهو صاحب الكتاب العظيم «جولة أثرية في شمال سورية»، وقد كان عندي فضاع مني، وفتّشت عن نسخة أخرى له فلم أجدها، ويا ليت بعض الناشرين يعود إليه فيطبعه.
وفي دار المعلّمين الريفية وقعت حادثة من حوادث التضحيات والمروءات لم تدوَّن، وما أكثر مروءاتنا وتضحياتنا التي لم ندوّنها فنسيناها. إن دجلة ارتفع ماؤها في إحدى السنين وأوشكَت بغداد على الغرق، فاجتمع الأساتذة والطلاّب في دار المعلّمين الريفية، واستعدّوا لكسر نهر ديالي ليفيض عليهم