أستاذنا شفيق جبري، شاعر الشام، كان رئيس ديوان المعارف، وكانت وظيفته تعدل وكيل الوزارة. كان أمر الوزارة كلّه إليه، وكان مع ذلك مدير كلّية الآداب؛ فهو رئيسي مرتين: رئيسي في الوظيفة لأني معلّم، وفي الكلّية لأني طالب. وقد عرفتم (ممّا سبق من هذه الذكريات) أنّي أقمت الدنيا عليه لمّا أراد أن يجعل الأدب أُلهيّة ودعا إلى ذلك في كتابه، فخطبت أردّ عليه وكتبتُ، وكتبتُ ونشرت رسالة طُبعت ووُزّعت على الناس، وقلّبته من قلمي على مثل جمر الغَضى. ويعلم إخوانه أني سوّدت أيامه وبيّضت بالأرق لياليه.

ثم مالَ الميزان ودار الزمان، وجاؤونا بدكتور من حلب اسمه «ك. أ.» فسلّموه وزارة المعارف وجعلوه الحاكم المطلَق فيها ونحّوا الأستاذ الشاعر شفيق جبري. وكان هذا الدكتور ذكياً بالغ الذكاء قوياً شديد القوّة، يكتم ما بنفسه، يبتسم في وجهك وقلبه يغلي بالغضب عليك، يتربّص بخصمه هادئاً هدوء النمر أو هدوء القط (والقطّ نمر صغير) وعينه على الفريسة، فإذا واتته الفرصة وثب وثبة واحدة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015