عاد بعد خمسَ عشرةَ حلقة ليتحدث عن جدّه وأصل أسرته، وبعد عشرين حلقة ليحدثنا عن أبيه، وأربع وأربعين حلقة ليحدثنا عن أمه؟ نعم، لقد عوّدَنا أن يقفز من موضوع إلى آخر وأن يقطع موضوعاً فيَصِلَه بعد عشر حلقات أو عشرين، أو لا يصله أبداً، لكن المنطق أن يبدأ المرءُ حديثَه عن نفسه بالحديث عن منشأ أسرته وعن أجداده وآبائه، وذلك قبل أن يتفرّع مشرّقاً ومغرّباً.
والجواب هو أن ما ترونه أمامكم بعد هذه الصفحات وفي رأسه رقم (1) ليس هو الفصل الأول في الحكاية ولا هو أولى حلقات الذكريات، بل هو الحلقة الثالثة، أما الحلقتان الأولى والثانية فلم تظهرا في الكتاب قط.
لقد جاء الأستاذ زهير الأيوبي يطلب من جدي ابتداءً أن يكتب ذكرياته في «المسلمون»، فلما فشل في حمله على الكتابة هوّن له الأمر فعرض عليه أن يتحدث على سجيته فيسجَّل حديثُه ثم يُحرَّر ويُنشَر، فاستسهل المسألة فوافق على العرض. قال في المقدمة التي تقرؤونها في الصفحات الآتيات: "ثم اتفقنا على أن أحدّث بها واحداً من إخواننا الأدباء وهو يكتبها بقلمه، فسمع مني ونقل عني وكتب حلقتين كانتا من براعة الاستهلال لهذا الكتاب. وما قصّر أحسن الله إليه، ولكن لا يَحُكّ جسمَك مثلُ ظفرك، فكان من فضله عليّ أن أعاد بعضَ نشاطي إليّ، فبدأت أكتب".
وهكذا ظهرت الحلقة الأولى في الصفحة الأولى من العدد الرابع من أعداد مجلة «المسلمون» (الوليدة يومئذ) في الرابع والعشرين من محرم عام 1402 (20/ 11/1981)، وتلتها الحلقة