ديوان الصبابه (صفحة 66)

بسماع الأذى وعذل نصيح ... وعتاب وكاشح ومطال

وقال جميل بن معمر:

لا خير في الحب وقفاً لا تحركه ... عوارض اليأس او يرتاحه الطمع

لو كان لي صبرها أو عندها جرعى ... لكنت أملك ماآتى وما أدع

ومن أبلغ ما قيل في عنت الأحباب قول بعض الأعراب في محبوبته:

شكوت فقلت كل هذا تبرما ... بحبي أراح الله قلبك من حبي

فلما كتمت الوجد قالت تعنتا ... صبرت وما هذا بفعل شجي القلب

وأدنو فتقصيني فأبعد طالباً ... رضاها فتعتد التباعد من ذنبي

فشكواي تؤذيها أو صبري يسوءها وتجزع من بعدي وتنفر من قربي فيا قوم هل من حيلة تعرفونها أشيروا بها واستوجبوا الأجر من ربي: وقد قسموا الهجر على أربعة أقسام فقالوا هجر دلال وهجر ملال وهجر مكافأة على الذنب وهجر يوجبه البغض المتمكن في الصدور فأما هجر الدلال فهو ألذ كثير من الوصال وعليه عقدت هذا الباب قال كشاجم:

لولا أطراد الصيد لم تك لذة ... فتطاردي لي بالوصال قليلا

هذا الشراب أخو الحياة وما له ... من لذة حتى تصيب غليلا

وقال المتنبي:

وأحلى الهوى ما شك في الوصل ربه ... وفي الهجر فهو الدهر يخشى ويتقي

وقال أيضاً:

زيدي أذى مهجتي أزدك هوى ... فأجهل الناس عاشق حاقد

وقال آخر:

لئن ساءني أن نلتني بمساءة ... لقد سرني أني خطرت ببالك

ويستحب لمن وسم بالجمال وأخذ بقلوب النساء والرجال أن يكون كثير التذلل قليل التبذل.

فقد قال ابن وكيع:

قالوا عشقت كثير التيه ممتنعاً ... فقلت هيهات عنكم غاب أطيبه

لو جاد هان وقلت الجو دعاته ... وإنما عزّ لما عز مطلبه

فإذا تبذل وأجاب كل من دعاه صار عرضة للظنون لأن النفس الحرة لا تنفك عن غيره وقد قال العباس ابن الأحنف:

يا قوم لم أهجركم لملالة ... مني ولا لمقال واش حاسد

لكنني جربتكم فوجدتكم ... لا تصبرون على طعام واحد

وأما هجر الملال فيثبطه مرور الأيام والليالي أما بتنائي الدار أو بطول الاختبار.

حكي أن متيم الهاشمية لما اشتراها على ابن هشام حظيت عنده واحبها حباً شديداً فاتفق أنها غضبت عليه في وقت من الأوقات وتمادت في غضبها فترضاها فلم ترض فكتب إليها الإدلال يدعو إلى الملال ورب هجر دعا إلى الصبر وإنما سمى القلب قلباً لتقلبه وقد صدق عندي قول العباس بن الأحنف:

ما أراني إلا سأهجر من ليس ... يراني أقوى على الهجران

ملني واتقى بحسن إخاء ... ما أضر الإخاء بالإنسان

فلما قرأت الرقعة خرجت إليه من وقتها ورضيت وأما الهجر الذي يتولد عن الذنب فالتوبة تزيله من القلب عند الاعتراف بالذنب ولا سيما إذا كان المحبوب.

ملكه ملك رحمة ليس فيه ... جبروت منه ولا كبرياء

يتقي الله في المحب وقد أفل ... ح من كان همه الاتقاء

وأما الهجر الذي يوجبه البغض الطبيعي فهو الذي لا دواء له قال الحصري وهذا لا يصح بين ذوي الإخلاص وذوي الاختصاص إذ حقيقة المشاكلة تمنعه وصحة المناسبة تدفعه والذي أقوله أنا أيضاً أن هذا القسم مرضه مما لا يمكن علاجه ولا يعذب أجاجه فالمحبوب فيه لا يلام ومحبته كمن يرقص في الظلام ويسلم على من لا يرد عليه السلام:

أحبابه كم يفعلون بقلبه ... ما ليس يفعله به أعداؤه

أخذه الأرجاني فقال:

أأحبابنا لم تجرحونا بهجركم ... فؤاداً يبيت الدهر بالهم مكمدا

إذا أردتوا قتلي وأنتم أحبة ... فلا فرق ما بين الأحبة والعدا

وقال آخر:

يطالبني قلبي بكم كل ساعة ... إذا أفلس المديون لج المطالب

ويشتاقكم شوق الذي مس الظما ... وقد منعت ظلماً عليه المشارب

إذا أردتوا قتلي وأنتم أحبة ... إذاًفالأعادي واحد والحبائب

الباب التاسع عشر

الدعاء على المحبوب

وما فيه من الفقه المقلوب

كقولي:

دعوت من الحبيب بعشق ظبي ... أقاسي منه أنواع الجفاء

طور بواسطة نورين ميديا © 2015