ديوان الصبابه (صفحة 42)

أقول هذا باب عقدناه لذكر طيف الخيال الزائر وما قيل في سيره من الممثل السائر الحلوب إذا للشعراء في اقتناصة تحيل وحسن نحيل طالما كثروا من ذكره واستخرجوه من وكره فقربوا عليه بعد المسافة ولم يعافوا الحاق زجره بالعيافة. ومن المشهورين فيه بالإجادة أبو عبادة وغيره كأبن النقيب المنحيل على اصطياد خيال الحبيب:

حيث قال وأحسن في المقال ... نصبت جفوني للخيال حبائلا

لعل خيالا في الكرى منه يسنح ... وكيف أذا أغمضتهن أصيده

ومن عادة الأشراك للصيد تفتح وما احسن قول الشيخ جمال الدين ابن نباتة في التورية.

ومولع بفخاخ ... يمدها وشباك

قالت لي العين ماذا ... يصيد قلت كراك

وقلت أيضاً:

واقسم لو جاد الخيال بزورة ... لصادف باب الجفن بالتفح مقفلا

وقال أبو محمد عبد الله السروجي وأحسن ما شاء:

انعم بوصلك فهذا وقته ... يكفي من الهجران ما قد ذقتهد

أنفقت عمري في هواك وليتني ... أعطي وصولاً بالذي أنفقه

يا من شغلت بحبه من غيره ... وسلوت كل الناس حين عشقته

أنت الذي جمع المحاسن وجهه ... لكن عليه تصبري فرقته

كم جال في ميدان حبك فارس ... بالصبر مني في هواك سبقته

قال الوشاة قد ادعى بك نسبة ... فسررت لما قلت قد صدقته

بالله إن سألوك عني قل لهم ... عبدي وملك يدي وما اعنقته

أو قيل مشتاق إليك نقل لهم ... أدري بذا وأنا الذي شوقته

يا حسن طيف من خيالك زارني ... من فرحتي بلقاه ما حققته

فمضى وفي قلبي عليه حسرة ... لو كان يمكنني الرقاد لحقته

وقال أبو تمام:

زار الخيال لها لا بل أزار له ... فكراً إذا نام فكر الناس لم ينم

ظبي تقنصته لما نصبت له ... من آخر الليل اشراكاً من الحلم

وقال أيضاً:

يا لها لذة تنزهت الأرواح ... فيها سراً من الأجسام

مجلس لم يكن لنا فيه عيب ... غيرانا في دعوة الأحلام

وقال البحتري: وهو من المكثرين في وصف الخيال المجيدين فيه ولكثرة ولوعه به واشتهاره ضرب به المثل.

فقيل خيال البحتري ومن ذلك قوله:

إذا ما الكرى أهدى إلى خيالها ... شقى قربه التبريح أو نقع الصدى

إذا انتزعته من يدي انتباهة ... ظننت حبيباً راح مني أو عدا

فلم أر مثلينا ولا مثل شأننا ... نعذب أيقاظاً وننعم هجداً

وقوله:

ولم أنس اسعاف الكرى بدنوها ... وزورتها بعد الهدو وما تدري

إذا الليل أعطانا من الوصل يلغة ... ثنتنا تباشير الصباح إلى الهجر

وقوله أيضاً:

بعثت طيفها إلي ودوني ... سير شهرين للمهاري العتاق

زاروا هنا من الشام فحيا ... مستهاماً صباً بأرض العراق

فقضى ما قضى وعاد إليها ... والدجى في بردوء الأخلاق

وقوله:

وليلة هومنا على العيش أرسلت ... بطيف خيال يشبه الحق باطله

فلولا بياض الصبح طال تشبثي ... بعطفي غزال بت وهنا أغازله

فكم من يد لليل عندي حميدة ... وللصبح من خطب تذم غوائله

وقال عبد الصمد بن المعدل:

واصل النوم بيننا بعد هجر ... فاجتمعنا ونحن مفترقان

غير أن الأرواح خافت رقيباً ... فطوت سرها عن الأبدان

منظر كان لذة القلب إلا ... أنه منظر بغير عيان

قال المرتضي هذه الأبيات تروي للحميدوني وهي كثيرة من مثله ودخل ابن القطان الشاعر البغدادي يوماً على.

الوزير الزيني وعنده الحيص بيص فقال قد عملت بيتين لا يمكن أن يعمل لهما ثالث لأنني قد استوفيت المعنى فيهما: فقال الوزير وما هما فأنشد:

زار الخيال بخيلاً مثل مرسله ... فما شفاني منه الضيم والقبل

مازارني قط إلا كي يوافقني ... على الرقاد فينفيه ويرتحل

طور بواسطة نورين ميديا © 2015